المقام الثانی : فی مقتضی القواعد الأوّلیّة بعد إمکان التداخل عقلاً
لاشبهة فی عدم التداخل فی مرحلة الإثبات إذا کان تقیید الجزاء علیٰ نعت التباین؛ بحیث کان الوضوء المسبّب عن البول بحسب الخصوصیّة الخارجیّة من الأجزاء أو الترتیب، غیرَ الوضوء المسبّب عن البول الآخر أو النوم؛ لامتناع کون هذا مسقطاً لأمر آخر متعلّق بشیء آخر وإن کان بحسب الاسم والطبیعة واحداً عرفاً، کما لایعقل إجزاء صلاة المغرب عن العشاء، وهذا واضح.
وهکذا إذا کان القید الوارد علی الجزاء قیداً ذهنیّاً، کعنوان «غسل الجمعة» و«الجنابة» وأمثالهما ممّا لایرتبط بطبیعة الجزاء بحسب الأجزاء الخارجیّة، وکان المکلّف یرید حین الغسل القید المزبور الذهنیّ، من غیر قصد قید آخر، فإنّه أیضاً لا معنیٰ لصحّة الاجتزاء به عن الآخر بالضرورة.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 117
وإنّما الإشکال فیما إذا قصد القیود الذهنیّة الواردة علی الطبیعة، کما إذا قصد حین الغسل الجمعة والجنابة ومسّ المیت والزیارة وهکذا، أو القیودَ الذهنیّة الواردة علیٰ طبیعة الجزاء فیما یکون السبب متعدّداً بالشخص، فإنّه ربّما یمکن أن یقال بالتداخل؛ وذلک لأنّ المکلّف یتمکّن من أن یجیب عن کلّ أمر، فإنّ أمر «اغتسل للجمعة» لایدعو إلاّ إلیٰ طبیعة الغسل مع قصد، وهو قد امتثله، وهکذا سائر الأوامر. هذا إذا تعدّد السبب نوعاً واضح.
نعم، إذا تعدّد السبب شخصاً فیمکن دعویٰ: أنّ کلّ فرد من السبب یدعو إلیٰ فرد من طبیعة الجزاء، وهو لایحصل إلاّ بتکرار الوضوء بحسب الخارج.
وبالجملة : لایبعد دعویٰ جواز التداخل فی صورة تعدّد السبب نوعاً؛ لما أنّه لایکون الجزاء إلاّ نفس الطبیعة المتقیّدة، وقد امتثل المکلّف أمرها، وأمّا فی صورة تعدّد السبب شخصاً فلابدّ من تعدّد المسبب شخصاً، وهو لایعقل إلاّ بتعدّد المصداق الخارجیّ، ولایکفی المصداق الواحد، فلیتأمّل جیّداً. هذا کلّه فیما کان تقیید الجزاء علیٰ نعت التباین.
وفیما إذا کان علیٰ نعت العموم من وجه وغیر التباین فتارة : یتکلّم عن جواز هذا النحو من التقیید. واُخریٰ : فی تداخل المسبّبات.
أمّا فی جوازه فالظاهر ذلک؛ لأنّه لا دلیل علیٰ لزوم کون القید الوارد علی الجزاء فی مثل : «إذا أفطرت أعتق رقبة» و«إذا ظاهرت أعتق رقبة» موجباً لتباین الجزاءین؛ لأنّ وجه التقیید هو العقل، وهو لایقتضی أزید من ذلک.
وأمّا فی تداخلها، فالتفصیل الذی عرفت منّا هناک یأتی هنا؛ وهو ما إذا تعدّد السبب نوعاً، فلایقتضی کلّ سبب إلاّ طبیعة عتق الرقبة الهاشمیّة، وطبیعةَ عتق الرقبة العالمة، وفی صورة التصادق علیٰ واحدة یلزم سقوط الأمرین؛ لتمامیة الجواب بالضرورة.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 118
نعم، إذا کان القید موجباً لتباینهما بحسب الخارج، فیکون أحدهما أبیض، والآخر أسود فلایمکن، کما هو الظاهر.
وإذا تعدّد السبب شخصاً فلابدّ من القول بعدم التداخل؛ قضاءً لحقّ اقتضاء کلّ مصداق من السبب مصداقاً من المسبّب والجزاء؛ ولو کان ذلک مصداقاً عنوانیّاً، فلیتأمّل جیّداً، فإنّه جدیر به.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 119