المقصد الرابع فی المفاهیـم

المقام الثالث : فی الدلیل الخارجیّ علی التداخل

المقام الثالث : فی الدلیل الخارجیّ علی التداخل

‏ ‏

‏وقد عرفت منّا : أنّ ما دلّ علیٰ إجزاء الغسل الواحد عن الأغسال المتعدّدة‏‎ ‎‏فیما یتعدّد السبب نوعاً، یکون علیٰ وفق القاعدة التی حرّرناها، وفیما یتعدّد السبب‏‎ ‎‏شخصاً یحتاج التداخل إلی دلیل.‏

‏بل لأحد أن یقول: لایعقل التصرّف فی مقام الامتثال إلاّ بالتصرّف فی مقام‏‎ ‎‏الجعل، ولایعقل أوسعیة مقام الامتثال عن مقام الجعل.‏

وإن شئت قلت :‏ لایمکن بعد کون الفعل المشتغل به متعدّداً فی الاعتبار وفی‏‎ ‎‏الذمّة، ویکون المفروض کون کلّ نوم سبباً لوضوء مخصوص به، تداخلُ المسبّبات‏‎ ‎‏إلاّ برجوعه إلیٰ تداخل الأسباب، وصیرورة الذمّة مشغولة بالواحد؛ وذلک لأنّ‏‎ ‎‏اعتبار التعدّد لغو وإن کان یمکن انطباق المأمور به علی الخارج. بل لایمکن انطباقه‏‎ ‎‏علیه بعد فرض أنّ معلول کلّ واحد من أشخاص النوم، فرد من الوضوء غیر الفرد‏‎ ‎‏الآخر فی الاعتبار.‏

‏وهذا هو ما أفاده الشیخ ‏‏قدس سره‏‎[1]‎‏: من أنّ تداخل الفردین ممتنع وإن کانا فردین‏‎ ‎‏عنواناً؛ لأنّ لحاظ الفردیّة ممّا یتقوّم به تعدّد المسبّب فی الذمّة، وإذا کان الأمر‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 119
‏کذلک، فکیف یتمکّن المولیٰ من الترخیص بالاکتفاء بواحد عن الأفراد إلاّ بذهوله‏‎ ‎‏عن لحاظ الفردیّة الراجع إلیٰ ذهوله عن الأسباب المتعدّدة؟! فالتصرّف فی مقام‏‎ ‎‏الامتثال فیما یقتضی القواعد جواز التداخل جائز، ولیس بلازم، وفیما تقتضی‏‎ ‎‏القواعد عدم التداخل غیر جائز وغیر ممکن.‏

‏فتحصّل لحدّ الآن : أنّ فیما یتعدّد السبب نوعاً یمکن التداخل؛ لأجل أنّ‏‎ ‎‏الجزاء هی الطبیعة المتقیّدة بالقیود، القابلة للجمع فی الذهن مع وحدة تلک الطبیعة،‏‎ ‎‏کما فی الأغسال المتنوّعة بالقیود الذهنیّة ، وأمّا فیما کان الجزاء عنوان مصداق‏‎ ‎‏الطبیعة ـ وإنّ کلّ فرد من النوم یقتضی فرداً من الوضوء ـ فلایمکن أن تنطبق‏‎ ‎‏العناوین علی الخارج.‏

‏اللهمّ إلاّ أن یقال: بأنّه یمکن الالتزام بالإجزاء هنا حسب القواعد والشرع‏‎ ‎‏أیضاً؛ لأنّ ماهو فی الجزاء مورد الأمر هو الفرد العنوانیّ والمصداق المفهومیّ،‏‎ ‎‏لا الخارجیّ، فإذن یجوز الاکتفاء بقصد القیود المأخوذة فی الجزاء، والإتیان‏‎ ‎‏بمصداق واحد.‏

وبالجملة :‏ لایتصوّر أن یتصرّف الشرع فی مقام الامتثال، إلاّ بعد التصرّف فی‏‎ ‎‏مقام الجعل، فلایجوز أن یکتفی بالغسل مع نیّة الجنابة عن سائر الأغسال الاُخر من‏‎ ‎‏دون أن ینویها، أو یجتزئ بغسل بلا نیّة خاصّة عن سائر الأغسال إلاّ بعد انصرافه‏‎ ‎‏عن مطلوبه، وإذا صار مطلوبه واحداً فیرجع إلیٰ وحدة المسبّب الراجعة إلیٰ وحدة‏‎ ‎‏السبب، وهذا هو ما أشرنا إلیه فی صدر المسألة؛ من أنّ أوسعیّة مقام الامتثال ممّا‏‎ ‎‏لایعقل، ویرجع ذلک إلی التصرّف فی مقام الجعل، کما فی جمیع القواعد المضروبة‏‎ ‎‏فی مقام الامتثال، کقاعدة التجاوز وأمثالها، فلاحظ واغتنم.‏

فتحصّل :‏ أنّه مع الإقرار بتعدّد السبب والمسبّب، لایعقل تداخل السبب تعبّداً‏‎ ‎‏إلاّ برجوعه إلی وحدة المسبّب الملازمة لوحدة السبب.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 120
‏نعم، فیما یجوزالتداخل عقلاً یصحّ التعبّد. ولو کان فی مورد یحکم عرفاً بعدم‏‎ ‎‏جوازالتداخل، یمکن أن یحکم شرعاً بالتداخل؛ لما لایلزم منه المحذور کما لایخفیٰ.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 121

  • ))مطارح الأنظار : 180 / السطر 36 ـ 37 .