المسألة الاُولیٰ : فیما کانت القضیّتان مستقلّتین
مثلاً: إذا ورد «إن جاءک زید یجب إکرامه» وورد فی دلیل آخر «إن أهانک زید لایجب إکرامه» فمقتضی مفهوم الاُولیٰ عدم وجوب الإکرام مع الإهانة، فیوافق المنطوق الثانی وعدم وجوبه عند الإکرام أیضاً، ومقتضیٰ مفهوم الثانی وجوب الإکرام عند المجیء، فیوافق المنطوق الأوّل ووجوب الإکرام إذا أکرمک زید، فیقع التعارض بین المفهومین فیما إذا أکرمک زید.
وعندئذٍ لابدّ من العلاج بینهما بالالتزام بالتخییر العقلیّ أو الشرعیّ؛ بناءً علیٰ شمول الأدلّة العلاجیّة لمثله، ولم یکن مرجّح لواحد منهما من المرجّحات المحرّرة
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 134
فی محلّه، أو الالتزام بأنّ القضیّة الثانیة من مصادیق القضیّة الاُولیٰ، ولکنّه بلا مرجّح؛ لإمکان کون الاُولی من مصادیق الثانیة، ولایکفی تأخّر احداهما عن الاُخریٰ صدوراً فی ذلک، کما لایخفیٰ.
ولو قیل : لایعقل أن یکون عدم الوجوب معلّلاً بالشرط؛ لأنّه عدم لایستند إلی شیء، فلا مفهوم هنا.
قلنا : نعم؛ ضرورة أنّ مفاد الجزاء مستند إلی إرادة المولیٰ واعتباره، والشرط من مبادئ تلک الإرادة، وهذا حکم سارٍ فی جمیع القضایا الشرطیّة، وعلیه فلایلزم وجه لسقوط المفهوم.
نعم، یمکن دعویٰ: أنّ القضیّة الثانیة لیس مفهومها إیجاباً کلّیاً ذا إطلاق، ولا إیجاباً جزئیّاً؛ لأنّ المفهوم نفی سنخ الحکم، لا إیجاد ضدّه، ولو کان مفاده الإیجاب الجزئیّ فلا إطلاق له، حتّیٰ تقع النسبة عموماً من وجه.
ولکنّه بمعزل عن التحقیق؛ لما عرفت منّا کیفیّة استخراج المفهوم، وأنّ المتّبع هو دلیله، لا ظهور القضیّة المستخرجة ، فلو کانت الإهانة فی القضیّة الثانیة علّة تامّة منحصرة لنفی طبیعة الوجوب، ونفی جمیع حقیقته عرفاً، فلابدّ وأن یثبت الإطلاق فی ناحیة المفهوم عند انتفاء الشرط، فلا تخلط أصلاً.
نعم، هنا وجه یتشبّث فیه بذیل العرف: وهو أنّ فی أمثال القضیّة الاُولیٰ یساعد العرف علی المفهوم، بخلاف القضیّة الثانیة؛ فإنّه لایستفاد منها عرفاً أنّ مقدّمات الإطلاق فی المنطوق قائمة علی المفهوم، بل المتبادر من المنطوق هو أنّ المتکلّم فی مقام نفی الوجوب عند الإهانة، وأمّا إثبات الوجوب عند غیرها فهو ممّا لایکون مقصوداً فی الکلام، وهذا فی حدّ ذاته غیر بعید.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 135
کما یمکن دعویٰ: أنّ الجملتین لا مفهوم لهما؛ وذلک لأنّ کون مجیء زید علّة تامّة منحصرة لوجوب إکرامه، لایجتمع مع کون إهانته علّة تامّة منحصرة لعدم وجوب إکرامه؛ ضرورة أنّ وجوب الإکرام إذا کان مستنداً ـ ولو بوجه عرفت منّا إلی المجیء فلا یعقل أنّ عدم الوجوب یستند إلی أمر وجودیّ آخر، بل انتفاء المجیء تمام السبب لانتفاء الوجوب، ولایقبل عدم الوجوب عندئذٍ علّة اُخریٰ.
وإذا رجعت العلّتان إلی واحد جامع بینهما، یسقط المفهومان إمّا علی الإطلاق، أو فی مورد المعارضة، ویجوز التمسّک بهما فی غیر موردها، فلاحظ وتأمّل.
وعلیٰ هذا فیما إذا ورد : «إن کانت الذبیحة ممّا ذکر اسم الله علیها فلا بأس بها».
وورد فی آخر: «إن کانت الذبیحة ممّا اُهلّ به لغیر الله فلا تأکل منها».
فإنّه تقع المعارضة فیما إذا ذبحت بلا ذکر الله ، فإنّ قضیّة الاُولیٰ حرمتها، ومقتضی الثانیة حلّیتها، فإن أخذنا بالوجه العرفیّ یلزم الأخذ بالاُولیٰ، وإن أخذنا بالوجه الثانی یرجع إلی أصالة البراءة، أو الحرمة، علی الخلاف الآخر المحرّر فی الاُصول، وهکذا إن قلنا بالتخییر العقلیّ أو الشرعیّ.
والإنصاف : أنّ دلیل المفهوم کان قاصراً عن إثباته إلاّ فی بعض القضایا التی مرّ تفصیلها، وعندئذٍ فإثباته هنا مع قطع النظر عن المکاذبة المزبورة مشکل، فضلاً عن تلک المناقشات، فلیتدبّر واغتنم.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 136