وهم ودفع : حول ما إذا کانت الغایة من حدود الحکم والطلب
ربّما اشتهر : «أنّ الغایة إذا کانت من حدود الموضوع، فلاتدلّ علیٰ شیء؛ لأنّها لاتزید علی الوصف والقید»، وقد مرّ قصور دلالتهما علی المفهوم.
وإذا کانت من حدود الحکم والطلب فقال فی «الدرر»: «إنّ مفاد الهیئة إنشاء حقیقة الطلب، لا الطلب الجزئیّ الخارجیّ، فتکون الغایة فی القضیّة غایة لحقیقة الطلب المتعلّق بالجلوس فی قولک: «اجلس من الصبح إلی الزوال» ولازم ذلک ارتفاع حقیقة الطلب عن الجلوس عند وجودها» انتهیٰ.
وفیه : أنّه إن اُرید من حقیقة الطلب ما کان مقابل المجاز، فهو لایرجع إلیٰ محصّل، وإن اُرید منها ماهیّة الطلب وکلّیه، ویکون الطلب المغیّا معنیً کلّیاً اسمیّاً، فالغایة غایة لهذا الطلب، وحیث تکون الغایة حلاًّ له فیوجب انقطاع ذلک الطلب، وهذا لایورث ارتفاع مصداق الطلب الآخر بالنسبة إلیٰ ما بعد الغایة.
وبالجملة : من ورود الحدّ علیه یلزم کون الطلب المغیّا مصداقاً للطلب، لا تمام الطلب، فلیتدبّر. ولأجل ذلک أو غیره عدل عمّا فی المتن إلی القول بعدم المفهوم رأساً.
ولنا أن نقول فی تقریب المفهوم بوجه أحسن منه؛ وهو أنّ مفاد الجمل المغیّاة بحسب التصوّر علیٰ وجهین :
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 152
أحدهما : أنّ المتکلّم فی مقام إفادة أنّ السیر من البصرة إلی الکوفة مطلوبی، أو أنّ المطلوب هو السیر من البصرة إلیها، وغیر ذلک ممّا یشابه هذه العبارة.
ثانیهما : أنّ یکون فی مقام إفادة أنّ مطلوبی المتلوّن بالسیر، وأنّ مطلوبی السیریّ ومقصودی الکذائیّ من البصرة إلی الکوفة.
فما کان من قبیل الأوّل فلایکون له المفهوم، ویعدّ من قیود الموضوع.
وما کان من الثانی فیستلزم انتفاء الطلب بالنسبة إلیٰ ما بعد الغایة، ولو کان السیر المتلوّن بلون ما بعد الکوفة مطلوبه، لما کان للتقیید المزبور وجه.
وإن شئت قلت : لو کان المفهوم هنا منوطاً بإثبات العلّیة المنحصرة، فلایمکن ذلک؛ لأنّ غایة ما یثبت هنا انحصار المطلوب السیریّ بما بین الکوفة والبصرة، وهذا لایتقوّم استفادته بالعلّیة المنحصرة، بل هو هنا یستفاد من التقیید الوارد علی الحکم؛ وأنّ مجرّد ذلک کافٍ فی حصول المفهوم والانتفاء عند الانتفاء، فإذا فرضنا أنّه قال: «مطلوبی السیریّ محدود بین الکوفة والبصرة» فلازمه انتفاء الطلب بسنخه مضافاً إلی شخصه؛ قضاءً للقید المزبور.
وإن شئت قلت أیضاً : إنّه یرید فی هذه الصورة إفادة أنّ مطلوبی الموصوف بالسیر، محصور بما بین البصرة والکوفة، فیستفاد هنا حصر الطلب السیریّ بما بینهما، وقضیّته انتفاء سنخه عمّا بعد الغایة، من غیر توقّف علیٰ کون الغایة حدّاً للحکم، کما یظهر بأدنیٰ تأمّل.
أقول : ولعمری ، إنّه لایمکن المزید علیه فی تقریب مقالة الخصم، ولکنّه مع ذلک لایفید ولاینفع:
وذلک أوّلاً : لأنّ مقتضیٰ هذا التقریب إثبات المفهوم بالنسبة إلی ما قبل الابتداء وما بعد الغایة، وهم إمّا غیر ملتزمین به، أو یلتزمون؛ لما لا مفرّ عن ذلک بالضرورة، ولا یعدّ تالیاً فاسداً له.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 153
وثانیاً : أنّ مفاد الهیئات لیس إلاّ البعث فی الاعتبار الخارجیّ نحو المادّة، ولا تدلّ علیٰ معنیٰ کلّی أوّلاً، ثمّ یقیّد ذلک المعنی الکلّی ـ وهو الطلب ـ بمفاد المادّة والمتعلّق، بل هو إغراء وتحریک إلیٰ جانبها.
وثالثاً : لو فرضنا أنّا نستفید من الهیئة أو من قوله : «یجب» أنّ المطلوب محدود، فلایزید أیضاً علی القیود فی الموضوع؛ لأنّ القیود فی الموضوع أیضاً دخیلة فی تضییق الطلب لبّاً بالضرورة.
نعم، لو استفدنا منه أنّ المطلوب السیریّ محصور بما بینهما ـ علی الوجه الأخیر فی تقریبنا ـ فیشکل ؛ لأنّ مع ذلک إذا طلب منه السیر بین الکوفة والمدینة، فهو مناقض لقوله الأوّل.
ولکنّ الشأن فی استفادة ذلک من هذه العبارات؛ فإنّه فی التقدیم والتأخیر ـ بحسب الجملة الفعلیّة أو متعلّقاتها ـ لایلزم إلاّ حدّ الحکم، وهذا لایورث انسلاب الحکم وانتفاء سنخه عمّا بعد الغایة؛ لأنّ ماهی الجهة الموجبة للإیجاب إلی الکوفة أو إلی المرافق، غیر الجهة الموجبة للإیجاب ما بعد الکوفة، وعندئذٍ لایلزم من الإیجاب الأوّل نفی مصادیق الوجوب عمّا بعد الغایة بالضرورة والقطع.
وبالجملة تحصّل : أنّ القید سواء کان حدّاً للموضوع أو الحکم، لایوجب فرقاً.
نعم، إذا کانت الغایة والابتداء ظرف حصر الطلب السیریّ بما بینهما، یثبت المطلوب؛ وهو انتفاء سنخ الحکم، إلاّ أنّه ممنوع بحسب الإثبات، فتدبّر.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 154