بحث وتحصیل : فی بیان منشأ دلالة الاستثناء علی المفهوم
هل استفادة المفهوم مستندة إلی الوضع أو غیره، وعلی الأوّل فهل یستند إلیٰ کلمة «ما» و «إلاّ» مجموعاً، أم یستند إلیٰ «إلاّ» ؟ وجوه.
یمکن أن یقال: إنّه مستند إلی الوضع؛ بمعنیٰ أنّ أداة الاستثناء وإن لم تکن موضوعة إلاّ لإخراج المستثنیٰ من المستثنیٰ منه حکماً فی الاستثناء المتّصل، إلاّ أنّ لازمه البیّن سلب الحکم المزبور عن المستثنیٰ ، وهذا وأمثاله یعدّ من الدلالات الالتزامیّة الوضعیّة، وإن کان بحسب التحقیق هو من تبعات المعنیٰ، فیکون جزء الموضوع له علیٰ وجه خارج، کما تحرّر فی محلّه.
وبالجملة : دعوی الانسباق الذهنیّ من الجملة مجموعاً والانصراف، غیر تامّة؛ لأنّ ذلک خلاف تمسّکهم بالتبادر وبتصریح أهل الفن، فالأظهر أنّ کلمة «إلاّ» من غیر دخالة کلمة اُخریٰ فی ذلک تدلّ ـ بوجه اُشیر إلیه ـ علی الإخراج وانتفاء الحکم الثابت فی المستثنیٰ منه.
نعم، إذا کانت الجملة المستثنی منها سلبیّة فهی أیضاً لاتدلّ إلاّ علیٰ إخراج المستثنیٰ من المستثنیٰ منه حکماً، ولازم ذلک أیضاً إثبات الحکم لما بعدها، وتصیر النتیجة بعد ذلک ثبوت الحکم المضادّ للأوّل.
وبالجملة تحصّل : أنّ فی منشأ الفهم المزبور احتمالات ووجوهاً؛ من کونه الوضع، أو مقدّمات الإطلاق؛ بمعنی أنّ للمتکلّم أن یکون فی مقام الإخراج فقط،
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 168
ویکون بالنسبة إلی المستثنیٰ مهمِلاً، فیکون الحکم من هذه الناحیة علی_' وجه الإهمال.
ولکن لو کان الأمر کذلک ، لکان تسمع دعواه فی المحاکم العرفیّة، فیما إذا قال: «لیس لزید علیّ دراهم إلاّ درهم» فیعلم منه أنّ الأمر لایستند إلیٰ مقدّمات الإطلاق أیضاً، فیکون المستند هو الوضع.
اللهمّ إلاّ أن یقال: إنّ مفاد «إلاّ» لیس إلاّ الإخراج من المستثنیٰ منه حکماً، وهذا هو تمام المعنی الموضوع له، وأمّا إثبات الحکم المخالف لمدخولها، فهو لازم کون الحکم محصوراً بالموضوع، ومخصوصاً بالمستثنیٰ منه بعد الاستثناء، ولأجله ینتفی الحکم عمّا بعدها.
وبعبارة اُخریٰ : لو کان المستثنیٰ مستنداً إلیٰ کلمة «إلاّ» وضعاً لکان ذلک من المنطوق، لا المفهوم، وهو خلاف ما علیه الاُصولیّون، وعلیه فیکون الحکم الثانی مستنداً إلی استفادة حصر الحکم الأوّل بالمستثنیٰ منه بعد الاستثناء، وعندئذٍ یثبت المفهوم، ولایستند إلی الوضع أیضاً، فلیتدبّر جیّداً.
وبناءً علیٰ هذا ما اشتهر فی کلمات النحاة : «من أنّ الاستثناء من الإیجاب نفی وبالعکس» فی محلّه؛ لعدم ظهور ذلک فی دلالة أداة الاستثناء وضعاً علیه، ولنعم ما قالوا: «إنّ نصب المستثنیٰ لیس بفعل مقدّر یدلّ علیه الفعل السابق» خلافاً لبعض النحاة، وهذا شاهد علیٰ أنّ الجمهور منهم علیٰ «أنّ الاستثناء من الإیجاب نفی وبالعکس» قاعدة مستخرجة من المنطوق والمفهوم معاً، لا المنطوق
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 169
المحض، فلیتدبّر واغتنم.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 170