ثالثها : حول مجازیّة تقیید مفهوم الحصر وعدمها
قد عرفت فی مطاوی بحوثنا: أنّ قضیّة انحصار الحکم فی جانب المستثنیٰ منه بالموضوع المذکور فیه، انتفاء الحکم فی ناحیة المستثنیٰ، ومقتضیٰ ذلک أیضاً انحصار الحکم فی ناحیة المستثنیٰ بالموضوع المذکور فیه أیضاً، فیکون مثلاً مفاد «لا تعاد الصلاة إلاّ من خمس» أنّ موضوع عدم الإعادة جمیع أجزاء الصلاة وشرائطها إلاّ الخمسة، وأمّا الخمسة فهی موضوعة للإعادة، ولیس للإعادة موضوع آخر. وهذا هو مقتضی الانحصار المذکور فی جانب المستثنیٰ منه بعد تقابل الحکمین فی المستثنیٰ والمستثنیٰ منه.
إذا تبیّن ذلک، فهل فی صورة ورود المقیّد والمخصّص تلزم المجازیّة والادعاء، أوتقع المعارضة ویلزم الرجوع إلی الأخبار العلاجیّة، أم یجمع بینهما؛ لإمکانه عرفاً؟
وجوه یتعیّن الأخیر منها؛ وذلک لأنّ کلمة الاستثناء لیست لإفادة الحصر الحقیقیّ، بل هی تفید ذلک عند عدم القرینة، فلو ورد : «ما جاءنی القوم والشعراء إلاّ زید» فهو یفید الحصر بالنسبة إلی الطائفة الثالثة.
وتوهّم : أنّها لإفادة الحصر الحقیقیّ، ویکون فی المثال ماهو الموضوع عنواناً واحداً یجمع الطائفتین، فی غیر محلّه إنصافاً، بل فی المثال یکون الموضوع متعدّداً، فلاتفید أداة الاستثناء إلاّ الحصر الإضافیّ من غیر لزوم المجازیّة، فبذلک
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 180
تنحلّ مشکلة قاعدة «لا تعاد...» التی حرّرناها فی بحوثها، وهکذا التعارض المتوهّم بین قوله صلی الله علیه و آله وسلم: «لا صلاة إلاّ بفاتحة الکتاب» و «لا صلاة إلاّ بطهور» وغیر ذلک.
هذا مع أنّک قد عرفت: أنّ هذا الکلام مبنیّ علی الادعاء، وعندئذٍ لا مانع من تعدّد المقوّم الادعائیّ، فتکون الصلاة بعد ذلک مقوَّمة بالطهور، وبالفاتحة، وبالقیام، وبتکبیرة الافتتاح.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 181