الجهة الثانیة : فی أنّها هل تفید الحصر، أم لا؟
أو یفصّل بین کلمة «إنّما» بالکسر و «أنّما» بالفتح، أن یفصّل بین حصر المسند إلیه وبالعکس، فیفید الأوّل فی قولک: «إنّما زید کاتب» دون الثانی «إنّما یکتب زید» وجوه واحتمالات.
وما هو الأقوی الأظهر هو الوجه الثانی؛ وذلک لوجوه:
منها : عدم معهودیّتها للحصر فی کلمات السلف والخلف إلاّ من شذّ من المتأخّرین.
ومنها : أنّها بالمقایسة إلیٰ «أنّما» بالفتح و «لیتما» وأمثالها، یظهر اشتراکهما فی المعنیٰ، وعدم إفادتها الحصر أیضاً.
ومنها : أنّها کثیراً ما استعملت فیما لا حصر هناک، کقوله تعالیٰ: «قُلْ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُکُمْ» وقوله تعالیٰ: «إنّمَا أنْتَ مُنْذِرُ» وقوله تعالیٰ: «إنّمَا أنْتَ مُنْذِرٌ مَنْ یَخْشَاهَا» وقوله تعالیٰ: «وَلاَیَحْسَبَنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِی لَهُمْ خَیْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إنَّمَا نُمْلِی لَهُمْ لِیَزْدَادُوا إثْمَاً وَلَهْمْ عَذَابٌ مُهِینٌ» وقوله تعالیٰ: «إنَّمَا
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 184
الْخَمْرُ وَالْمَیْسَرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّیْطَانِ».
وإمکان کون بعض منها من حصر المسند إلیه فی المسند ـ کالاُولیٰ والأخیرة ـ لایضرّ؛ فإنّ الرجوع إلیٰ موارد استعمالها یعطی عدم دلالتها إلاّ علیٰ أنّ الحکم مبنیّ علی التأکید، وقد ورد فی ذیل قوله تعالیٰ: «لاَ تَأْکُلُوا أَمْوَالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْبَاطِلِ» أنّه «إنّما هو القمار» مع أنّ إفادة الحصر تضرّ باستدلال القوم بها، ولایمکن الالتزام بالتخصیص، کما لایخفیٰ.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 185