المقصد الخامس فی العامّ والخاصّ

الرابع : حول جواز التمسّک بالإطلاق فی الشبهة المصداقیّة

الرابع : حول جواز التمسّک بالإطلاق فی الشبهة المصداقیّة

‏ ‏

‏هل یجوز التمسّک بالإطلاق فی الشبهة المصداقیّة للمقیّد، أم لا؟‏

‏الذی یظهر من الأکثر؛ أنّ هذه المسألة کأصل المسألة بلا تفاوت بین المطلق‏‎ ‎‏والعامّ‏‎[1]‎‏، ولاسیّما علی القول: بأنّ مقدّمات الإطلاق تنوب مناب أداة العموم‏‎[2]‎‏.‏

‏وقد أشرنا فیما سلف‏‎[3]‎‏ إلیٰ ما أفاده العلاّمة الأراکیّ ‏‏قدس سره‏‏ فقال فی موضع من‏‎ ‎‏«المقالات»: «إنّ مرکز بحثهم فی المقام إنّما هو فی فرض التخصیص، وإلاّ ففی باب‏‎ ‎‏تقیید المطلقات لم یتوهّم أحد جواز التمسّک بالإطلاق عند الشکّ فی المقیّد، فبعد‏‎ ‎‏فرض تقیید الرقبة بالإیمان لم یتوهّم أحد التشبّث بإطلاق الرقبة عند الشکّ فی‏‎ ‎‏إیمانها، کما لم یتوهّم أحد التمسّک بإطلاق الصلاة عند الشکّ فی الطهارة أو القبلة أو‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 267
‏غیرها من القیود»‏‎[4]‎‏ انتهیٰ محلّ الحاجة.‏

أقول أوّلاً :‏ لیس معنی التقیید هو تعنون المطلق فی مرحلة الإثبات، فیکون‏‎ ‎‏موضوع الدلیل مصبّاً للاستظهار الخاصّ، فإنّه لعب بالقانون علی الوجه غیر الجائز،‏‎ ‎‏بل التقیید فی المثال الأوّل ـ الراجع إلیٰ متعلّق المتعلّق ـ کالتخصیص، فقول المولیٰ:‏‎ ‎‏«أعتق الرقبة» یفید بحسب الإنشاء أنّ الرقبة تمام الموضوع، وإذا ورد منفصلاً:‏‎ ‎‏«لاتعتق الکافرة» یکون هو القرینة علیٰ عدم الجدّ بالنسبة إلیٰ تمام مضمون‏‎ ‎‏المطلق، کما فی العامّ. واستکشاف أنّ الموضوع مضیّق ثبوتاً أمر یشترک فیه العامّ‏‎ ‎‏والمطلق أیضاً.‏

‏وعلیٰ هذا، فما یقتضی التمسّک بالعامّ یقتضی التمسّک بالمطلق، وقضیّة‏‎ ‎‏شموله ـ کما قیل ـ استکشاف أنّ مورد الشبهة لیس بکافر.‏

إن قلت :‏ العامّ یتعرّض لحکم الفرد دون المطلق.‏

قلت :‏ نعم، إلاّ أنّ مقتضیٰ شمول الإطلاق ـ أی مقتضی اقتضاء الإطلاق ـ‏‎ ‎‏کون المشکوک مورد الجدّ والتطابق بین الإرادتین.‏

وبالجملة تحصّل :‏ عدم الفرق بین بابی العامّ والإطلاق من هذه الناحیة.‏

‏ولعمری، إنّ صاحب «المقالات» نظراً إلیٰ أنّ مفهوم التقیید هو کشف القید‏‎ ‎‏فی مصبّ الإطلاق، وتقیید المطلق بالقید الوارد، توهّم التفکیک المزبور، مع أنّ مفاد‏‎ ‎‏التخصیص أیضاً لیس إلاّ جعل الحکم فی العامّ مخصوصاً بطائفة، ولیس هذا أیضاً‏‎ ‎‏إلاّ إیراد القید فی محطّ العموم.‏

وثانیاً :‏ قد عرفت أنّ من التخصیص ماهو واقعیّ، کالموت العارض علیٰ‏‎ ‎‏أفراد العلماء، فتکون الأفراد خارجة بالتخصیص أبداً، کخروج العقد الجائز عن‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 268
‏عموم ‏‏«‏أوْفُوا بِالْعُقُودِ‏»‏‎[5]‎‏ ومن التخصیص ماهو بمنزلة نتیجة التقیید، کإخراج‏‎ ‎‏الفسّاق من العلماء، فلا منع من کون التخصیص موجباً لتقیید مصبّ العامّ، فیکون‏‎ ‎‏قوله: «أکرم کلّ عالم» بعد التخصیص بمنزلة قوله: «أکرم کلّ عالم عادل» کما إذا‏‎ ‎‏ورد من الابتداء‏‎[6]‎‏.‏

وثالثاً :‏ لاینبغی الخلط بین باب متعلّقات الأحکام، وباب موضوعاتها، فإنّ‏‎ ‎‏فی الصورة الاُولی لایجوز التمسّک بالعامّ ـ لو فرض عامّ ـ ولا بالمطلق عند الشکّ‏‎ ‎‏والشبهة؛ لأنّه من الشکّ فی السقوط بعد العلم بالثبوت، وفی الصورة الثانیة یجوز؛‏‎ ‎‏لأنّه من الشکّ فی الثبوت والتعلّق، لانحلال العامّ إلی الأحکام الکثیرة.‏

مثلاً :‏ إذا ورد ‏‏«‏أقِمِ الصَّلٰوةَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ إلَیٰ غَسَقِ الَّلیْلِ‏»‏‎[7]‎‏ فقضیّة‏‎ ‎‏إطلاقه الوجوب، وبعدمـا ورد: ‏«لا تصـلّ فی...»‏ الموجب لإفادة الشرطیّة فی‏‎ ‎‏صحّة الصلاة مثلاً، لا یجوز التمسّک بالإطلاق المزبور عند الشکّ فی الثوب‏‎ ‎‏واللباس، لأنّه یرجع إلی الشکّ فی أنّ المأتیّ به، واجد للمأمور به المستفاد من‏‎ ‎‏الدلیلین، أم لا.‏

وبعبارة اُخریٰ :‏ استفادة حدود المأمور به من الأدلّة المختلفة، لاتقضی‏‎ ‎‏رجوع العناوین إلیٰ عنوان واحد، بل لایعقل ذلک؛ لأنّ الحکم الإنشائیّ الثابت‏‎ ‎‏لطبیعة الصلاة، لایتجافیٰ عن محلّه أبداً، فالمقیِّد ودلیل القید من القرینة علی أنّ‏‎ ‎‏الطبیعة المطلقة فی کلّ مورد صدقت، لیست مورد الجدّ والإرادة الحتمیّة، ولا معنیٰ‏‎ ‎‏للزیادة علیٰ ذلک، کما هو الواضح.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 269
ودعویٰ :‏ أنّ الشکّ المزبور یرتفع علی الأعمّی خصوصاً بإطلاق دلیل‏‎ ‎‏الطبیعة، غیر مسموعة؛ لأنّ للمأمور به قیوداً لابدّ من إحرازها.‏

‏وممّا یؤیّد عدم انحلال إطلاق دلیل الجزء فی إطلاق دلیل الطبیعة؛ المعارضة‏‎ ‎‏التی أوقعوها بینهما فی موارد کثیرة محرّرة فی بحوث الاشتغال، ولو کان دلیل القید‏‎ ‎‏راجعاً إلیٰ دلیل الطبیعة وساقطاً برأسه، فلا معنی لتوهّم المعارضة، وعلیٰ هذا‏‎ ‎‏فلاینقلب الموضوع فی مرحلة الإثبات والإنشاء فی جمیع المواقف، ویکون‏‎ ‎‏الموضوع بحسب الجدّ واللبّ مضیّقاً بالضرورة فی جمیع الموارد.‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 270

  • ))فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 2 : 511، درر الفوائد، المحقّق الحائری : 210، محاضرات فی اُصول الفقه 5 : 151 .
  • ))فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 2 : 573، نهایة الأفکار 1: 510 / السطر3 ـ 9 .
  • ))تقدّم فی الصفحة 255 .
  • ))مقالات الاُصول 1 : 441 .
  • ))المائدة (5) : 1 .
  • ))تقدّم فی الصفحة 253 ـ 254 .
  • ))الإسراء (17) : 78 .