المقصد الخامس فی العامّ والخاصّ

تتمیم البحث : حول العلم الإجمالیّ بوجود المخصّصات

تتمیم البحث : حول العلم الإجمالیّ بوجود المخصّصات

‏ ‏

قد تبیّن :‏ أنّ البحث حول العلم الإجمالیّ المزبور کان من جهات:‏

الاُولیٰ :‏ فی أصل تنجیزه.‏

الثانیة :‏ فی انحلاله .‏

الثالثة :‏ فی أنّ الفحص عن المخصّص مع عدم العثور علیه، لایوجب‏‎ ‎‏الخروج عن أطرافه حتّیٰ یجوز العمل بالعامّ؛ وذلک لأنّ من المحتمل وجود‏‎ ‎‏المخصّصات الکثیرة غیر الواصلة إلینا والضائعة فی العصر الأوّل، کما هو المعروف‏‎ ‎‏فی اُصول ابن أبی عمیر وغیره، فیبقی الإشکال بحاله.‏

أقول :‏ هنا بحثان :‏

الأوّل :‏ لو سلّمنا صحّة ما قیل، فهل یلزم الاحتیاط فی العمل والإفتاء، أم‏‎ ‎‏یستکشف به عدم وجوب الفحص، أو یعلم به: أنّ العلم الإجمالیّ المزبور لاینجّز،‏‎ ‎‏کما مرّ فی الجهة الاُولیٰ‏‎[1]‎‏، والأمر هنا أوضح ؟‏

‏لا إشکال فی عدم إمکان الالتزام بالأوّلین، فیتعیّن الثالث؛ بمعنیٰ أنّ العلم‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 298
‏الإجمالیّ إن کان متعلّقاً بوجود المخصّصات والمقیّدات فلایؤثّر ، وأمّا إذا کان‏‎ ‎‏متعلّقاً بوجودها فیما وصل إلینا من الأخبار والأحادیث فیؤثّر.‏

‏ولاشبهة فی أنّ فی الفرض الأوّل لاینجّز شیئاً؛ لأنّ وجودها الواقعیّ لیس‏‎ ‎‏بحجّة، بخلاف وجودها الواصل ولو بنحو الإجمال ؛ وذلک لأنّه کما أنّ وظیفة العبد‏‎ ‎‏هو الفحص بعد العلم الإجمالیّ، کذلک وظیفة المولیٰ هو الإیصال بنحو متعارف‏‎ ‎‏إیصالاً متعقّباً بالوصول علیٰ نحو متعارف أیضاً، فإذا علمنا إجمالاً بوجود‏‎ ‎‏المخصّصات فیما ضاعت من الکتب والاُصول الأوّلیّة، فهو لایؤثّر فی شیء‏‎ ‎‏بالضرورة، ولعلّ هذا هو المراد ممّا اصطلح علیه من «التوسّط فی التنجیز»‏‎[2]‎‏.‏

الثانی :‏ لأحد إنکار وجود العلم المزبور أوّلاً، وإنکار کونه بالنسبة إلی‏‎ ‎‏الأحکام الشرعیّة ثانیاً، بل إنکار أصل الضیاع ثالثاً، وإنکار کونها من المخصّصات‏‎ ‎‏المعتبرة سنداً رابعاً.‏

وبالجملة :‏ لو التزمنا بتنجیزه بدعویٰ؛ أنّ المولیٰ أدّیٰ وظیفته وهی الإلقاء إلی‏‎ ‎‏الاُمّة فی عصره، والضیاع لایضرّ بذلک، ولا یعتبر أزید منه، فلنا إنکار التنجیز من‏‎ ‎‏ناحیة الخروج عن محلّ الابتلاء؛ بمعنی أنّه إذا علمنا بوجود المخصّص فلابدّ من‏‎ ‎‏الفحص عنه، وإذاکان أحد الأطراف الکتب الضائعة فیلزم قصوره عن التنجیز.‏

لایقال :‏ الخروج لا یضرّ فی المقام؛ لأنّه یرجع إلیٰ حجّیة الظواهر الموجودة.‏

لأنّا نقول :‏ حجّیة الظواهر علیها السیرة العملیّة، فلابدّ من الموهن المبرز‏‎ ‎‏الواصل؛ وهو الفحص تفصیلاً أو إجمالاً علیٰ وجه یتنجّز به وجود الموهن، فتدبّر‏‎ ‎‏تعرف، وتأمّل تجد.‏

وبعبارة اُخریٰ :‏ نعلم إجمالاً بحرمة الإفتاء علیٰ طبق العامّ فی السنّة‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 299
‏الموجودة بین أیدینا؛ لاحتمال وجود المخصّص فی الاُصول الضائعة، أو حرمة‏‎ ‎‏الإفتاء علیٰ طبق العامّ الموجود فی تلک الاُصول؛ ضرورة أنّها کما تشتمل علی‏‎ ‎‏المخصّصات تشتمل علی العمومات أیضاً، وتکون تلک أیضاً من أطراف العلم‏‎ ‎‏الإجمالیّ الکبیر، ولولا رجوع هذا العلم الإجمالیّ إلی العلم الإجمالیّ بحرمة الإفتاء‏‎ ‎‏وأمثالها، لما کان وجه لتنجّزه فاغتنم. کما لنا إنکار أصل الدعویٰ، والله الهادی.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 300

  • ))تقدّم فی الصفحة 294 ـ 296 .
  • ))فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 3 : 258، نهایة الأفکار 3: 352 ـ 353، منتهی الاُصول 2 : 267 ـ 268 .