المقصد الخامس فی العامّ والخاصّ

الجانب الثانی : فی تخصیص العامّ بالمفهوم المخالف

الجانب الثانی : فی تخصیص العامّ بالمفهوم المخالف

‏ ‏

‏والمقصود بالبحث هو ما إذا فرغنا عن حجّیة المفاهیم، ولیس النظر هنا إلیٰ‏‎ ‎‏صور معارضة العامّ والمفهوم، فإنّه بحث مرّ إجمال منه فی باب المفاهیم‏‎[1]‎‏، ویأتی‏‎ ‎‏بعض الکلام فی التعادل والترجیح‏‎[2]‎‏. والمنظور إلیه هنا هو تخصیص العامّ بالمفهوم‏‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 370
‏وعدمه، فلایجوز الخلط بین تقیید المطلق بالمفهوم کما خلطوا، فإنّ «الدرر»‏‎[3]‎‎ ‎‏والاُستاذ البروجردیّ‏‎[4]‎‏ ظنّا أنّ هذه المسألة ترجع إلی التقیید، ومثّلوا لذلک بدلیل‏‎ ‎‏طهوریّة الماء‏‎[5]‎‏، ودلیل الکرّ‏‎[6]‎‏، فإنّه بحث آخر فی المطلق والمقیّد، وربّما تنحلّ‏‎ ‎‏مسألة المطلق والمقیّد ببحث العامّ والخاصّ؛ لاتحاد المناط، فلاتخلط.‏

‏فالکلام هنا حول تخصیص العامّ بالخاصّ الذی هو المفهوم المخالف،‏‎ ‎‏ویکون بینه وبین العامّ اختلاف السلب والإیجاب.‏

‏فعلیه لا معنیٰ لتکثیر الصور بکونهما تارة: فی کلام واحد، واُخریٰ: فی‏‎ ‎‏کلامین‏‎[7]‎‏؛ لأنّ فی فرض وحدة الکلام لایبقیٰ لاستفادة المفهوم أثر؛ إمّا لأجل أنّ‏‎ ‎‏دلالة العامّ وضعیّة، فتکون مانعة عن حدوث المفهوم المخالف، أو لأجل أنّها‏‎ ‎‏إطلاقیّة، فیکون کلّ واحد منهما مجملاً؛ سواء فیه الصدر والذیل.‏

‏وما قیل من تقدّم أصالة الإطلاق فی الصدر علی الذیل‏‎[8]‎‏، غیر محرز وجهه‏‎ ‎‏عند العرف والعقلاء، ولا بقضیّة الصناعة.‏

‏أو لأجل أنّ دلالة المفهوم التزامیّة کالوضعیّة، فهو أیضاً یستلزم عدم انعقاد‏‎ ‎‏ظهور لهما، کما لایخفیٰ.‏

‏فقضیّة العنوان هو البحث عن تخصیصه بالمفهوم، بعد الفراغ من أصالة‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 371
‏العموم فی ذاتها والمفهوم فی ذاته، فالتمثیل بآیة النبأ وعموم التعلیل‏‎[9]‎‏، مخدوش‏‎ ‎‏من جهات ثلاث:‏

‏من أنّها من باب المطلق ، لا العامّ .‏

‏ومن أنّها فی الکلام الواحد.‏

‏ومن أنّ آیة النبأ لا مفهوم لها بعد تنصیص المتکلّم علیٰ علّة الحکم، کما‏‎ ‎‏تحرّر فی محلّه‏‎[10]‎‏.‏

‏هذا مع أنّ الکلام فی تخصیص العامّ بالخاصّ المفهومیّ، فیکون مفروض‏‎ ‎‏البحث أنّ النسبة بینهما العموم المطلق، فتأمّل. وأنّ النظر کان إلی أنّ الجمع بین العامّ‏‎ ‎‏والخاصّ المنطوقیّ، واضح لا مفرّ منه فی الجملة، وعلیه بناء الفقهاء، وأهل الحلّ‏‎ ‎‏والعقد، بل وعلیه بناء الأخباریّین الطاعنین علی الاُصولیّین، وهو بناء العرف‏‎ ‎‏والعقلاء فی قوانینهم العرفیّة بالضرورة.‏

‏وأمّا الجمع بینه وبین الخاصّ المفهومیّ، فربّما یمکن المناقشة فیه: بأنّهما‏‎ ‎‏یتعارضان، أو یقدّم العامّ:‏

‏أمّا وجه تقدیم العامّ؛ فلأنّه مستند إلی المنطوق، فیقدّم علی المفهوم الأخصّ؛‏‎ ‎‏للأظهریّة. أو لأنّ أصالة الإطلاق دلیل المفهوم، وهی أصل تعلیقیّ لایعارض الأصل‏‎ ‎‏التنجیزیّ اللفظیّ فی جانب العامّ، من غیر فرق بین کون المفهوم فی کلام منفصل‏‎ ‎‏متقدّم، أو متأخّر.‏

‏وأمّا وجه المعارضة؛ فلما تقرّر فی محلّه عند المحقّقین: من أنّ مع انفصال‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 372
‏الکلام تتمّ حجّیة الإطلاق‏‎[11]‎‏، لا من جهة أنّ مقدّمات الإطلاق تنوب مناب أدوات‏‎ ‎‏العموم کما قیل‏‎[12]‎‏، بل لأجل أنّ حجّیة العموم موقوفة علیٰ جریان أصالة الجدّ،‏‎ ‎‏وهی أصل عقلائیّ، فکما أنّه لایکون مرهوناً بالکلام والقید المنفصل، بل یتمسّک به‏‎ ‎‏وینعقد الظهور، ویخرج بمقدار یقتضیه القید عن مضمون العامّ، کذلک فی ناحیة‏‎ ‎‏المطلقات حسبما تحرّر فی محلّه‏‎[13]‎‏: من أنّ إطلاق کلام النبیّ ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ یتمسّک به قبل‏‎ ‎‏مضیّ زمان صدور القید، وإذا صدر القید فیقیّد بمقداره، فلا وجه لتقدیم العامّ علیه.‏

‏وأمّا حدیث الأظهریّة فهو باطل؛ لما عرفت من الحاجة إلی الأصل العقلائیّ‏‎ ‎‏فی حجّیة العامّ، فتصیر النتیجة تابعة للأخسّ.‏

‏هذا مع أنّ الحقّ احتیاج العمومات أیضاً إلی مقدّمات الحکمة، فالقول بتقدیم‏‎ ‎‏العامّ فی نهایة السخافة، ولاسیّما فی صورة تقدّم المفهوم الأخصّ تأریخاً علی العامّ،‏‎ ‎‏فإنّ المعارضة هنا أقویٰ جدّاً.‏

أقول :‏ والذی هو التحقیق ما اُشیر إلیه لبیان المعارضة دفعاً عن توهّم تقدیم‏‎ ‎‏العامّ علی المفهوم، وأمّا أصل التعارض فهو نظر بدویّ، فإنّ المفهوم المخالف إذا‏‎ ‎‏ثبت فی محیط التقنین، فالتخصیص به متعیّن؛ لعین ما مرّ فی المنطوق‏‎[14]‎‏.‏

‏ومن هنا یظهر حال المطلق مع المفهوم المخالف الأخصّ، وهکذا الموافق،‏‎ ‎‏ویتبیّن أنّ البحث عن سائر الصور یدفع هنا وهناک، وقد عرفت فی الجانب الأوّل‏‎[15]‎‎ ‎‏حکم بعض الصور الاُخریٰ للمسألة، ولا بأس بالإشارة إلیها هنا أیضاً:‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 373

  • ))تقدّم فی الصفحة 140 ـ 142 .
  • ))ممّـا یؤسف له عدم وصوله قدس سره إلیٰ هذه المباحث .
  • ))درر الفوائد، المحقّق الحائری : 227 ـ 228 .
  • ))نهایة الاُصول : 359 ـ 360 .
  • ))المعتبر: 9، وسائل الشیعة 1 : 135، کتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب1، الحدیث9، مستدرک الوسائل 1 : 202، کتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 13، الحدیث 4 .
  • ))تهذیب الأحکام 1 : 39 ـ 40 / 46 ـ 48، وسائل الشیعة 1 : 158، کتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 9، الحدیث 1 .
  • ))کفایة الاُصول : 272 ـ 273، نهایة الأفکار 2 : 546 .
  • ))محاضرات فی اُصول الفقه 5 : 301 ـ 302 .
  • ))مطارح الأنظار: 210 / السطر 11 ـ 14، فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 2 : 558 ـ 559 .
  • ))تقدّم فی الصفحة 50 ـ 51 ، ویأتی فی الجزء السادس : 459 ـ 462 .
  • ))لاحظ نهایة الأفکار 2 : 547 ـ 548، مصباح الاُصول 3 : 377.
  • ))راجع الصفحة 440 .
  • ))یأتی فی الصفحة 429 ـ 430 .
  • ))تقدّم فی الصفحة 361 ـ 366 .
  • ))تقدّم فی الصفحة 366 ـ 370 .