المقصد السادس فی المطلق والمقیّد

الجهة الثالثة : فی موارد إطلاق المطلق والمقیّد

الجهة الثالثة : فی موارد إطلاق المطلق والمقیّد

‏ ‏

اعلم :‏ أنّه تارة؛ یطلق «الإطلاق والتقیید» فی مباحث الوجود وبالنسبة إلیٰ‏‎ ‎‏حقیقته الخارجیّة، فالمطلق هنا بمعنی سعة الوجود وبسطه، والمقیّد هو الوجود‏‎ ‎‏المحدود، وهذان الأمران متقابلان بتقابل واقعیّ علیٰ وجه، لا مفهومیّ، ولایندرجان‏‎ ‎‏تحت أحکام المفاهیم، والبحث حول ذلک خارج عن الفنّ . وغیر خفیّ أنّهما‏‎ ‎‏واقعیّان حینئذٍ، لا إضافیّان.‏

واُخریٰ :‏ یطلقان فی بحوثه بالنسبة إلیٰ مفهوم الوجود، فهما أیضاً متقابلان،‏‎ ‎‏إلاّ أنّهما یشبهان تقابل التضادّ، ولا معنیٰ لاعتبار تقابل العدم والملکة فی باب‏‎ ‎‏المفاهیم، کما لایخفیٰ، وهما من النعوت الواقعیّة هنا أیضاً، ویعدّ الإطلاق خارج‏‎ ‎‏المحمول لذلک المفهوم.‏

وثالثة :‏ یطلقان فی مباحث الماهیّة ویقال «تنقسم الماهیّة إلیٰ أقسام ثلاثة:‏‎ ‎‏مخلوطة، مطلقة، مجرّدة»‏‎[1]‎‏ ومقتضیٰ هذا التقسیم کون الماهیّة ذات اعتبار آخر‏‎ ‎‏المجامع مع کونها مقسماً، غافلین عن عروض المقسمیّة، وعن اعتوار هذا الطارئ،‏‎ ‎‏فإنّه به یلزم الخلف، وتصیر مخلوطة.‏

‏وعلیٰ هذا من توهّم : أنّ اعتبار المقسمیّة ، واعتبارَ الفراغ عن القسمیّة‏‎ ‎‏والمقسمیّة متخالفان‏‎[2]‎‏، فقد اشتبه علیه الأمر ؛ لأنّ اعتبار الفراغ عنهما أیضاً خلط‏‎ ‎‏بهما، فیکون هذا دائراً مدار اللحاظ.‏

‏فما هو المقسم هنا مثل ماهو المقسم فی تقسیم الکلمة، فکما لایکون‏‎ ‎‏المقسم اسماً ولا فعلاً ولا حرفاً فی ذاتها بذاتها، کذلک المقسم فی هذه الأقسام،‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 400
‏وکما یعتبر التغافل عن المقسمیّة حین الاقتسام، کذلک الأمر هنا؛ للزوم الخلف.‏

‏وهذان إن لوحظا فی عالم المفهومیّة، فیکونان متقابلین تقابل التضادّ علی‏‎ ‎‏الأشبهة، وإذا نظرنا إلیٰ خارجیّتهما وما فی الحرکة المتدرّجة، فالنسبة من تقابل‏‎ ‎‏العدم والملکة، والبحث عن هذا أیضاً خروج عن طور الکتاب، وقد فصّلنا ذلک فی‏‎ ‎‏«قواعدنا الحکمیّة».‏

‏والذی هو مورد النظر هنا توضیح أنّ الإطلاق الثابت فی التقاسیم، بین ماهو‏‎ ‎‏الإطلاق الواقعیّ غیر الملحوظ، کالإطلاق الثابت لطبیعة الإنسان، ولطبیعة الحیوان‏‎ ‎‏وهکذا، وهذا إطلاق ینتزع من مقام ذات الماهیّة، ویکون من خارج المحمول، ومن‏‎ ‎‏ذاتیّ باب البرهان، بخلاف الإطلاق الموصوفة به الماهیّة المعبّر عنه بـ «اللابشرط‏‎ ‎‏القسمیّ» فإنّه من المحمول بالضمیمة.‏

‏وهذا هو تمام الفرق والامتیاز بین اللابشرط المقسمّی والإطلاق المقسمیّ،‏‎ ‎‏واللابشرط والإطلاق القسمیّ، وهذا الإطلاق من الأوصاف الواقعیّة غیر المختلفة‏‎ ‎‏باختلاف الموضوعات واللحاظات.‏

‏وبین ماهو الإطلاق الإضافیّ والنسبیّ، ویکون أیضاً من المحمول بالضمیمة،‏‎ ‎‏وهو کإطلاق الرومیّ والزنجیّ، فإنّه أیضاً ینقسم إلیٰ أقسام وأصناف، ولکن مجرّد‏‎ ‎‏طروّ التقسیم لایشهد علی الإطلاق الذاتیّ، کما هو ظاهر.‏

‏ومن هذا القبیل إطلاق الرقبة المؤمنة، وإطلاق البیع الربویّ والغرریّ وهکذا،‏‎ ‎‏فإنّ کلّ مقیّد مطلق بالإضافة إلیٰ ما یزید علیه ویمکن أن یلحقه.‏

‏ثمّ إنّ النسبة بین الإطلاق الذاتیّ الواقعیّ والتقیید العرضیّ، تشبه تقابل‏‎ ‎‏التضادّ، ولیسا متضادّین فی الاصطلاح، والنسبة بین الإطلاق العرضیّ والتقیید‏‎ ‎‏الإضافیّین، تشبّه بتقابل العدم والملکة، ولیسا منه حسب الواقع حتّیٰ یترتّب علیه‏‎ ‎‏آثاره. ومن تلک الآثار المتوهّمة القاعدة المعروفة «کلّما امتنع التقیید امتنع‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 401
‏الإطلاق» وقد مرّ منّا فسادها فی مباحث التعبّدی والتوصّلی‏‎[3]‎‏.‏

وبالجملة :‏ هذه القاعدة تتمّ إذا کان التقابل بینهما من العدم والملکة واقعاً، کما‏‎ ‎‏فی المتدرّجات الخارجیّة والمتمکّنات بالإمکان الاستعدادیّ، وأمّا فی الاُمور‏‎ ‎‏الاعتباریّة والأوصاف الإضافیّة فلا متحرّک، ولا مادّة حاملة للإمکان الاستعدادیّ،‏‎ ‎‏کما هو غیر خفیّ علیٰ أهله.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 402

  • ))کشف المراد: 86 ـ 88، الحکمة المتعالیة2: 16 ـ 22 ، شرح المنظومة ، قسم الحکمة : 95.
  • ))نهایة الدرایة 2 : 492 ـ 494 .
  • ))تقدّم فی الجزء الثانی : 149 ـ 152 .