المقصد السادس فی المطلق والمقیّد

أحکام المطلق والمقیّد والنسبة بینهما

أحکام المطلق والمقیّد والنسبة بینهما

‏ ‏

‏ومن هنا یظهر مواضع الخلط فی کلمات القوم، ومواقف الخلط بین موارد‏‎ ‎‏إطلاق المطلق والمقیّد، ولا بأس بالإشارة إلیها بتفصیل حتّیٰ لایقع الباحث فی‏‎ ‎‏القلق والاضطراب:‏

الأوّل :‏ إطلاق الوجود الخارجیّ هی سعته الواقعیّة المبسوطة علیٰ رؤوس‏‎ ‎‏الماهیّات الإمکانیّة، کسعة النور الحسّی فی وجه تقریبیّ.‏

الثانی :‏ بین هذا الإطلاق والتقیید الذی هو تحدید الوجود واقعاً، لیس تقابل‏‎ ‎‏بالضرورة إلاّ فی وجه غیر مفهومیّ.‏

الثالث :‏ هذا الإطلاق واقعیّ لا إضافیّ، کما أنّ الوجود المقیّد المحدود أیضاً‏‎ ‎‏تقیید واقعیّ.‏

الرابع :‏ إطلاق مفهوم الوجود واقعیّ، کما أنّ تقییده واقعیّ، وأنّ إطلاقه لیس‏‎ ‎‏بمعنیٰ سعته المحتویة للأشیاء الکثیرة، بل سعته بمعنیٰ صحّة حمله علیٰ جمیع‏‎ ‎‏الأشیاء؛ قضّها وقضیضها، وبمعنیٰ عدم تقییده بشیء خارج عن ذاته، وبمعنی انتزاع‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 402
‏مفهوم الإطلاق من ذاته بذاته، ویکون خارج المحمول له، وکلّ ذلک عبارات‏‎ ‎‏مختلفة تشیر إلیٰ معنی واحد.‏

الخامس :‏ تقابلهما یشبه التضادّ.‏

السادس :‏ الماهیّة المطلقة المنقسمة إلی الأقسام الثلاثة أو الأکثر، لیست‏‎ ‎‏موضوعة بالإطلاق، ولا ملحوظاً فیها عدم الإطلاق ، بل الإطلاق ذاتیّ لها، وهی لا‏‎ ‎‏تخرج بما هی الجامع لها إلی الأقسام الثلاثة فی موقف تحلیل العقل ، ولیست‏‎ ‎‏فارغة عن الإطلاق الواقعیّ .‏

السابع :‏ لامعنیٰ لأن یکون اللابشرط المقسمیّ ملحوظاً فیه المقسمیّة، ولا‏‎ ‎‏ملحوظاً فیه الفراغ عن القسمیّة والمقسمیّة، فإنّ الکلّ من المخلوطة، فما ظنّه العلاّمة‏‎ ‎‏المحشّی هنا ونسبه إلی بعض أرباب الفنّ الأعلیٰ‏‎[1]‎‏، غیر راجع إلیٰ محصّل.‏

الثامن :‏ التقابل بین هذا الإطلاق الذاتیّ الواقعیّ، وبین التقیید العارض علیه‏‎ ‎‏المجامع مع إطلاقها الذاتیّ الواقعیّ، یشبه تقابل التضادّ، وهذا الإطلاق أیضاً واقعیّ،‏‎ ‎‏لا إضافیّ؛ ضرورة أنّ الماهیّة الإنسانیّة مثلاً، کما لاتنقلب عن إمکانها الذاتیّ‏‎ ‎‏بالوجود وتبعاته إلی الوجوب الذاتیّ، وتکون مع وجوبها الغیریّ الإضافیّ العرضیّ‏‎ ‎‏ممکنة بذاتها، فاُشمّت رائحة الوجود، ولم تشمّ، کذلک لاتنقلب عن إطلاقها الذاتیّ‏‎ ‎‏بعروض الرومیّة والزنجیّة، فإنّهما أعراض وعوارض تلحقها، وضمائم تطرؤها،‏‎ ‎‏ومعنی الإطلاق هنا أیضاً لیس السعة الخارجیّة، أو السریان والشیوع.‏

التاسع :‏ أنّ لکلّ شیء إطلاقاً عرضیّاً إضافیّاً یزول بعروض القید، من غیر‏‎ ‎‏فرق بین الماهیّات الأصلیّة والاعتباریّة، وهذا الإطلاق لیس معناه التوسعة الواقعیّة‏‎ ‎‏الجامعة للشتات، ولا معناه السریان، فإنّ الإطلاق السریانیّ یصحّ فی القسم الأوّل‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 403
‏من الإطلاق، وأمّا سائر أقسام الإطلاق، فمعنی سریانه وسعته صحّة صدقه علیٰ کلّ‏‎ ‎‏ما کان تحته.‏

‏وهذا القسم من الإطلاق أی الفرض الأخیر، هو الإطلاق المنتزع من الشیء‏‎ ‎‏فی الکلام الإخباریّ، أو الإنشائیّ، فإذا کان فی الإخباریّات فیسمّیٰ بـ «القضیّة‏‎ ‎‏المطلقة العامّة» هکذا فی تقاسیم القضایا فی المنطق‏‎[2]‎‏.‏

‏وإذا کان فی الإنشائیّات فیسمّی الکلام بـ «المطلق» وبـ «أنّه بلا قید» فیعتبر‏‎ ‎‏هذا الإطلاق لا من مقام ذات الشیء، فیکون من المحمول بالضمیمة؛ ضرورة أنّ‏‎ ‎‏وصف الإطلاق هنا، یرجع إلیٰ أنّه صفة عرضت للکلام من ناحیة عمل المقنّن‏‎ ‎‏والمتکلّم، کما یأتی بتفصیل کیفیّة دخالة عمله فی طروّ هذا القسم من الإطلاق علی‏‎ ‎‏الجمل الإنشائیّة‏‎[3]‎‏ إن شاء الله تعالیٰ.‏

العاشر :‏ هذا الإطلاق والتقیید إضافیّان، وتقابلهما یشبه العدم والملکة، وفی‏‎ ‎‏اعتبار آخر یشبه التضادّ؛ ضرورة أنّه وصف ینتزع من اللاتقیید.‏

الحادی عشر :‏ لاینبغی الخلط بین التقابل الواقعیّ، والتقابل الشبیه بالواقع،‏‎ ‎‏فإنّ من الخلط بینهما یقع بعض الأعلام فی الاشتباه، ویظنّ صحّة قاعدة معروفة‏‎ ‎‏وهی «أنّ کلّما امتنع التقیید امتنع الإطلاق» وهماً أنّها مثل قولهم «کلّما امتنع اتصاف‏‎ ‎‏الشیء بالبصیرة یمتنع اتصافه بالعمیٰ» فکما أنّ الثانی صحیح فالأوّل مثله ؛ نظراً إلیٰ‏‎ ‎‏أنّ تقابلهما من العدم والملکة.‏

الثانی عشر :‏ وفذلکة الکلام؛ أنّ للإطلاق إطلاقات فی المفردات‏‎ ‎‏والمرکّبات:‏

‏أمّا فی المفردات، فهو ما تعارف فی الفنّ الأعلیٰ وبعض العلوم الاُخر.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 404
‏وأمّا فی المرکّبات والقضایا، فهو ما تعارف فی المنطق وفی الفقه والاُصول.‏

‏نعم، اختلف الاُصولیّون فی أنّ توصیف الکلام بالإطلاق لأجل اتصاف‏‎ ‎‏الکلمة به حقیقة، أم لأجل الأمر الآخر من غیر اتصاف الرقبة بالإطلاق واقعاً أو‏‎ ‎‏إضافیّاً.‏

وبعبارة اُخریٰ :‏ نزاع بین المشهورین القدیم والجدید، ونزاع بین المتأخّرین:‏

‏أمّا النزاع الأوّل، فهو فی أنّ الإطلاق الثابت للکلام یرجع إلی الإطلاق‏‎ ‎‏الثابت للکلمة؛ سواء کانت فی الکلام أم لا.‏

‏وأمّا النزاع الثانی، فهو فی أنّ الإطلاق الثابت للکلام لیس للکلمة سواء‏‎ ‎‏کانت فی الکلام، أم لم تکن، بل هی لها حال کونها فی الکلام، ولکن هل نتیجة‏‎ ‎‏مقدّمات الحکمة ثبوت الإطلاق للکلمة علیٰ نحو ما أثبته المشهور لها، أم هو أیضاً‏‎ ‎‏غیر ذلک، وهذا النزاع هو التشاحّ المشهور: من أنّ الإطلاق هل هو جمع القیود، أو‏‎ ‎‏هو رفض القیود؟ فلیکن علیٰ ذکر حتّیٰ لایختلط الأمر فی محطّ الأقوال.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 405

  • ))نهایة الدرایة 2 : 492 ـ 494 .
  • ))شرح المنظومة، قسم المنطق : 56 .
  • ))یأتی فی الصفحة 425 ـ 432 .