المقصد السادس فی المطلق والمقیّد

الجهة الرابعة : فی بیان ما وضعت له أسماء الأجناس وأعلامها

الجهة الرابعة : فی بیان ما وضعت له أسماء الأجناس وأعلامها

‏ ‏

‏نسب إلی الشهرة القدیمة: أنّ ألفاظ الأجناس موضوعة للمعانی المطلقة، من‏‎ ‎‏غیر فرق بین المعانی الأصلیّة الجوهریّة والعرضیّة، وبین المعانی الاعتباریّة‏‎ ‎‏والاختراعیّة، وبین العناوین الاشتقاقیّة والعوارض الخارجیّة وهکذا‏‎[1]‎‏، ولأجل ذلک‏‎ ‎‏نسب إلیهم : أنّه بناءً علیٰ هذه المقالة، لا حاجة إلیٰ مقدّمات الإطلاق فی إثبات‏‎ ‎‏إطلاق الکلام الوارد فی الشریعة المشتمل علیٰ هذه الألفاظ الحاکیة عن تلک‏‎ ‎‏المعانی‏‎[2]‎‏.‏

‏ونسب إلی الشهرة بین أهل العربیّة‏‎[3]‎‏: أنّ أعلام الأجناس فی وجهٍ کأعلام‏‎ ‎‏الأشخاص، فتکون معرفة، وفی وجهٍ کأسماء الأجناس، فتکون کلّیةً، فالموضوع له‏‎ ‎‏فی مثل «ثعالة» فی الثعلب و «اُسامة» فی الأسد، لیس المعنی المطلق، بل هو‏‎ ‎‏المعنی الملحوظ فیه التعیّن الخاصّ القابل للصدق علیٰ کثیرین، وهذا النحو من‏‎ ‎‏التعیّن هو الإطلاق القسمیّ ولحاظ اللابشرط، فی مقابل اللاتعیّن فی أسماء‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 408
‏الأجناس الذی هو الإطلاق المقسمیّ‏‎[4]‎‏.‏

‏ویترتّب علیه أیضاً عدم الاحتیاج إلیٰ مقدّمات الإطلاق فی سریان الحکم‏‎ ‎‏إلی الأفراد وإلیٰ کلّ ما یصدق علیه الطبیعة والعنوان، بل عدم الحاجة إلیها هنا أظهر.‏‎ ‎‏هذا حکم الألفاظ بما لها من المعانی المفردة حال کونها مفردة.‏

‏وأمّا ما کان من قبیل المفرد المعرّف بـ «اللام» والنکرة الواقعین فی الکلام،‏‎ ‎‏فهو یدور مدار الجهة الاُخریٰ: وهی «اللام» والتنوین، فإنّ «اللام» ینقسم إلیٰ أقسام،‏‎ ‎‏والتنوین یتصوّر علیٰ أنحاء، وتکون خصوصیّة المعنیٰ وإطلاقه تابعة لما یراد من‏‎ ‎‏«اللام» فإنّ من «اللام» مایوجب التعیّن کـ «لام العهد» ومن التنوین ما یوجب‏‎ ‎‏التشخّص، کتنوین التنکیر فی الجملة الإخباریّة.‏

‏وأمّا ما کان من «اللام» «لام الجنس والموصول» فهو یفید الإطلاق، ویؤکّد‏‎ ‎‏إطلاق المدخول، وما کان من قبیل تنوین التمکّن والإعراب، أو کان من قبیل تنوین‏‎ ‎‏التنکیر فی الجملة الإنشائیّة، فهو أیضاً یورث الإطلاق، وتصیر النتیجة عدم‏‎ ‎‏الاحتیاج إلی المقدّمات.‏

‏وممّا یشهد علیٰ ذهابهم إلیٰ عدم الاحتیاج إلیها فی باب المطلق والمقیّد؛‏‎ ‎‏عدم معهودیّة الإشکال منهم علیٰ دلیل ، بالإهمال وعدم تمامیّة الإطلاق والإرسال.‏‎ ‎‏هذا موجز ما عندهم.‏

‏وممّا أوضحناه فی غایة إجماله یظهر: أنّ فی بعض ما نسب إلی المشهور‏‎ ‎‏ـ مثل قولهم: «بأنّ ألفاظ الأجناس موضوعة للمعانی المطلقة باللابشرط القسمیّ» ‏‎ ‎‏إشکالاً، بل منعاً؛ ضرورة أنّه لولا ما أفدناه لما یمکن الجمع بین اسم الجنس وعلمه،‏‎ ‎‏کما لم یجمع بینهما صاحب «الکفایة» وظنّ أنّهما من باب واحد، وأنّ التعریف‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 409
‏لفظیّ؛ قیاساً بالتأنیث اللفظیّ‏‎[5]‎‏، مع أنّه لا معنیٰ للتعریف اللفظیّ إلاّ تجویز الابتداء‏‎ ‎‏بالنکرة تخصیصاً.‏

‏ومن الغریب دعویٰ : أنّ التقیید باللابشرطیّة فی مقام الوضع، یوجب عدم‏‎ ‎‏صحّة الحمل والصدق علی الأفراد الخارجیّة!! ظنّاً أنّ المعنی اللابشرط لیس أمراً‏‎ ‎‏خارجیّاً ، ویظهر من «تهذیب الاُصول» تصدیق «الکفایة» فی هذا الإشکال‏‎[6]‎‏، مع‏‎ ‎‏أنّ اللابشرط أمر خارجیّ؛ حسبما هو التحقیق فی الماهیّة اللابشرطیّة، کما صرّح‏‎ ‎‏به ـ مدّظلّه ‏‎[7]‎‏.‏

‏فعلیٰ هذا یظهر وجه جواز الابتداء بأعلام الأجناس، حیث إنّها خارجة عن‏‎ ‎‏حدّ الطبیعة المطلقة إلی الطبیعة المخصوصة، وقد صرّح النحاة بجواز الابتداء‏‎ ‎‏بالنکرة المخصوصة‏‎[8]‎‏، فما هی النکرة المطلقة هی اللفظة الموضوعة للمعنی المطلق‏‎ ‎‏بالإطلاق المقسمیّ المعنون فی الکلام، وماهی النکرة المخصوصة هی الطبیعة‏‎ ‎‏المتخصّصة بخصوصیّة ما؛ وهی اللابشرطیّة، فتکون بحسب الحکم مثل المطلقة،‏‎ ‎‏ومثل الأعلام الشخصیّة، فلاحظ واغتنم جیّداً.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 410

  • ))تقدّم فی الصفحة 395 .
  • ))نهایة الأفکار 2 : 563 .
  • ))کفایة الاُصول : 283 .
  • ))شرح الکافیة 2 : 132 / السطر 6 ، المطول : 80 .
  • ))کفایة الاُصول : 283 .
  • ))تهذیب الاُصول 1 : 530 .
  • ))تهذیب الاُصول 1 : 527 ـ 528 .
  • ))شرح الکافیة 1 : 88 / السطر 23 ـ 26 ، البهجة المرضیّة : 88 ـ 89 .