الجهة الرابعة : فی بیان ما وضعت له أسماء الأجناس وأعلامها
نسب إلی الشهرة القدیمة: أنّ ألفاظ الأجناس موضوعة للمعانی المطلقة، من غیر فرق بین المعانی الأصلیّة الجوهریّة والعرضیّة، وبین المعانی الاعتباریّة والاختراعیّة، وبین العناوین الاشتقاقیّة والعوارض الخارجیّة وهکذا، ولأجل ذلک نسب إلیهم : أنّه بناءً علیٰ هذه المقالة، لا حاجة إلیٰ مقدّمات الإطلاق فی إثبات إطلاق الکلام الوارد فی الشریعة المشتمل علیٰ هذه الألفاظ الحاکیة عن تلک المعانی.
ونسب إلی الشهرة بین أهل العربیّة: أنّ أعلام الأجناس فی وجهٍ کأعلام الأشخاص، فتکون معرفة، وفی وجهٍ کأسماء الأجناس، فتکون کلّیةً، فالموضوع له فی مثل «ثعالة» فی الثعلب و «اُسامة» فی الأسد، لیس المعنی المطلق، بل هو المعنی الملحوظ فیه التعیّن الخاصّ القابل للصدق علیٰ کثیرین، وهذا النحو من التعیّن هو الإطلاق القسمیّ ولحاظ اللابشرط، فی مقابل اللاتعیّن فی أسماء
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 408
الأجناس الذی هو الإطلاق المقسمیّ.
ویترتّب علیه أیضاً عدم الاحتیاج إلیٰ مقدّمات الإطلاق فی سریان الحکم إلی الأفراد وإلیٰ کلّ ما یصدق علیه الطبیعة والعنوان، بل عدم الحاجة إلیها هنا أظهر. هذا حکم الألفاظ بما لها من المعانی المفردة حال کونها مفردة.
وأمّا ما کان من قبیل المفرد المعرّف بـ «اللام» والنکرة الواقعین فی الکلام، فهو یدور مدار الجهة الاُخریٰ: وهی «اللام» والتنوین، فإنّ «اللام» ینقسم إلیٰ أقسام، والتنوین یتصوّر علیٰ أنحاء، وتکون خصوصیّة المعنیٰ وإطلاقه تابعة لما یراد من «اللام» فإنّ من «اللام» مایوجب التعیّن کـ «لام العهد» ومن التنوین ما یوجب التشخّص، کتنوین التنکیر فی الجملة الإخباریّة.
وأمّا ما کان من «اللام» «لام الجنس والموصول» فهو یفید الإطلاق، ویؤکّد إطلاق المدخول، وما کان من قبیل تنوین التمکّن والإعراب، أو کان من قبیل تنوین التنکیر فی الجملة الإنشائیّة، فهو أیضاً یورث الإطلاق، وتصیر النتیجة عدم الاحتیاج إلی المقدّمات.
وممّا یشهد علیٰ ذهابهم إلیٰ عدم الاحتیاج إلیها فی باب المطلق والمقیّد؛ عدم معهودیّة الإشکال منهم علیٰ دلیل ، بالإهمال وعدم تمامیّة الإطلاق والإرسال. هذا موجز ما عندهم.
وممّا أوضحناه فی غایة إجماله یظهر: أنّ فی بعض ما نسب إلی المشهور ـ مثل قولهم: «بأنّ ألفاظ الأجناس موضوعة للمعانی المطلقة باللابشرط القسمیّ» إشکالاً، بل منعاً؛ ضرورة أنّه لولا ما أفدناه لما یمکن الجمع بین اسم الجنس وعلمه، کما لم یجمع بینهما صاحب «الکفایة» وظنّ أنّهما من باب واحد، وأنّ التعریف
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 409
لفظیّ؛ قیاساً بالتأنیث اللفظیّ، مع أنّه لا معنیٰ للتعریف اللفظیّ إلاّ تجویز الابتداء بالنکرة تخصیصاً.
ومن الغریب دعویٰ : أنّ التقیید باللابشرطیّة فی مقام الوضع، یوجب عدم صحّة الحمل والصدق علی الأفراد الخارجیّة!! ظنّاً أنّ المعنی اللابشرط لیس أمراً خارجیّاً ، ویظهر من «تهذیب الاُصول» تصدیق «الکفایة» فی هذا الإشکال، مع أنّ اللابشرط أمر خارجیّ؛ حسبما هو التحقیق فی الماهیّة اللابشرطیّة، کما صرّح به ـ مدّظلّه .
فعلیٰ هذا یظهر وجه جواز الابتداء بأعلام الأجناس، حیث إنّها خارجة عن حدّ الطبیعة المطلقة إلی الطبیعة المخصوصة، وقد صرّح النحاة بجواز الابتداء بالنکرة المخصوصة، فما هی النکرة المطلقة هی اللفظة الموضوعة للمعنی المطلق بالإطلاق المقسمیّ المعنون فی الکلام، وماهی النکرة المخصوصة هی الطبیعة المتخصّصة بخصوصیّة ما؛ وهی اللابشرطیّة، فتکون بحسب الحکم مثل المطلقة، ومثل الأعلام الشخصیّة، فلاحظ واغتنم جیّداً.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 410