توضیح واستئناف : حول شبهة علی جواز التمسّک بالمطلقات والعمومات
إذا عرف من عادة المقنّن ذکر القیود متأخّرةً عن عصر ضرب القانون، وشوهد ذلک مراراً، وقلّما یتّفق أن یذکر القانون المطلق إلاّ ویتعرّض لقید أو قیود له فی الأزمنة اللاّحقة؛ حتّیٰ صار من الأمثال «مامن عامّ إلاّ وقد خصّ» فإنّه فی هذه الصورة لا یجوز التمسّک إلاّ بعد مضیّ عصر صدور القید ، وهذا ممّا علیه العقل والعرف.
وبالجملة : لایوصف الکلام بالإطلاق فی المحیط المذکور وفی منطقة التشریع التدریجیّ؛ إلاّ بعد انقضاء عصر الوحی وظهور الأوامر والنواهی التشریعیّة.
وهذا من غیر فرق بین العمومات والمطلقات، وبین القول: بأنّ المطلقات تدلّ بالوضع علی الإطلاق، أم بالعقل، فإنّه ولو کانت العمومات دالّة بالوضع، أو المطلقات دالّة بالوضع علی السریان والشیوع، ولکن بعد فهم الاعتیاد المزبور من صاحب الشریعة، وبعد ورود المخصّصات بالوجدان، لایکون للکلام تصدیق جزمیّ، ولایمکن أن یوصف بالتمامیّة والاستقرار. وهذه الشبهة لاتفید ولا تضرّ بالنسبة إلینا.
اللهمّ إلاّ أن یقال : إنّ فی عصر الغیبة أیضاً یشکل التمسّک؛ لما یکون عنده عجّل الله تعالیٰ فرجه الشریف أحکام مودعة حسب بعض الأخبار، ولو کانت الغیبة مستندة إلی الاُمّة فلایلزم تقبیح علی المولی الحقیقیّ حتّیٰ یلزم منه جواز التمسّک، کما لایخفیٰ.
ولکن بعد اللتیّا والتی، وبعد تصدیق الشبهة فی الجملة، مع عدم کفایة استصحاب عدم ورود القیود والمخصّصات متأخّرةً من جهات، نجد أنّ الأئمّة علیهم السلام
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 429
رخّصوا فی الإفتاء، وحثّوا علیه، وکان بناء القدماء من الصحابة علی الاجتهاد بالأخذ بالعمومات والإطلاقات، وأنّه لو کان یلزم الاحتیاط علی المعاصرین لوقعوا فی الشدّة والحرج واختلال النظام.
مع أنّ الضرورة قاضیة بورود المطلق فی جواب السائل عن الأحکام الشخصیّ، وکان یعمل به، مع أنّ القید ورد فی جواب السائل الشخصیّ الآخر المحتاج إلی المسألة فیمعیشته، فإنّه من أمثال هذه الاُموریستکشف صحّة الاحتجاج.
ولو سلّمنا تمامیّة الشبهة بالنسبة إلی العصر الأوّل؛ وهو عصر التشریع، فلا نسلّم بالنسبة إلی العصور المتأخّرة وعصر الغیبة.
وتوهّم استناد الغیبة إلی الاُمّة العاصیة، فیکون قصور البیان وعدم إیصال الأحکام، معلول القبائح والأفعال الأسواء، فلایصحّ التمسّک بالعمومات والمطلقات بعد الدیدن المشاهد، غیر جائز؛ ویطلب من محلّ آخر.
وما اشتهر بین أبناء التکلّم : «من أنّ عدمه منّا» مأخوذ أحیاناً من بعض الأخبار. وحیث إنّ المسألة من المسائل الإلهیّة العقلیّة المحرّر تفصیلها فی «قواعدنا الحکمیّة» ولاتصل إلیها أفهام أرباب العلوم الظاهریّة، فإیکالها إلیٰ أهلها أولیٰ. ولو کانت الأخبار الصحیحة صریحة فی ذلک فهی مأوّلة علیٰ أنّهم یتکلّمون حسب اختلاف العقول، ولا منع من دخالة ذلک علیٰ نحو الجزئیّة المبهمة، فلاتکن من الجاهلین.
فتحصّل : أنّ إیجاب الاحتیاط، وإسقاط التمسّک بالعمومات والإطلاقات لأجل أمثال هذه الشبهات، غیر تامّ جداً.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 430
نعم، لمکان أنّ الشبهة عقلائیّة بالنسبة إلیٰ عصر التشریع، فهی لاتندفع بما مرّ دفعاً لها، فلابدّ من القول: بأنّ العمومات والمطلقات حجّة ظاهریّة، ولایمکن کشف المراد بها، ولعلّ إلیٰ هذا یرجع ما فی «الکفایة» فتأمّل تعرف.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 431