المقصد السادس فی المطلق والمقیّد

توضیح واستئناف : حول شبهة علی جواز التمسّک بالمطلقات والعمومات

توضیح واستئناف : حول شبهة علی جواز التمسّک بالمطلقات والعمومات 

‏إذا عرف من عادة المقنّن ذکر القیود متأخّرةً عن عصر ضرب القانون،‏‎ ‎‏وشوهد ذلک مراراً، وقلّما یتّفق أن یذکر القانون المطلق إلاّ ویتعرّض لقید أو قیود‏‎ ‎‏له فی الأزمنة اللاّحقة؛ حتّیٰ صار من الأمثال «مامن عامّ إلاّ وقد خصّ» فإنّه فی‏‎ ‎‏هذه الصورة لا یجوز التمسّک إلاّ بعد مضیّ عصر صدور القید ، وهذا ممّا علیه‏‎ ‎‏العقل والعرف.‏

وبالجملة :‏ لایوصف الکلام بالإطلاق فی المحیط المذکور وفی منطقة‏‎ ‎‏التشریع التدریجیّ؛ إلاّ بعد انقضاء عصر الوحی وظهور الأوامر والنواهی التشریعیّة.‏

‏وهذا من غیر فرق بین العمومات والمطلقات، وبین القول: بأنّ المطلقات تدلّ‏‎ ‎‏بالوضع علی الإطلاق، أم بالعقل، فإنّه ولو کانت العمومات دالّة بالوضع، أو‏‎ ‎‏المطلقات دالّة بالوضع علی السریان والشیوع، ولکن بعد فهم الاعتیاد المزبور من‏‎ ‎‏صاحب الشریعة، وبعد ورود المخصّصات بالوجدان، لایکون للکلام تصدیق‏‎ ‎‏جزمیّ، ولایمکن أن یوصف بالتمامیّة والاستقرار. وهذه الشبهة لاتفید ولا تضرّ‏‎ ‎‏بالنسبة إلینا.‏

‏اللهمّ إلاّ أن یقال : إنّ فی عصر الغیبة أیضاً یشکل التمسّک؛ لما یکون عنده‏‎ ‎‏عجّل الله تعالیٰ فرجه الشریف أحکام مودعة حسب بعض الأخبار، ولو کانت الغیبة‏‎ ‎‏مستندة إلی الاُمّة فلایلزم تقبیح علی المولی الحقیقیّ حتّیٰ یلزم منه جواز التمسّک،‏‎ ‎‏کما لایخفیٰ.‏

‏ولکن بعد اللتیّا والتی، وبعد تصدیق الشبهة فی الجملة، مع عدم کفایة‏‎ ‎‏استصحاب عدم ورود القیود والمخصّصات متأخّرةً من جهات، نجد أنّ الأئمّة ‏‏علیهم السلام‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 429
‏رخّصوا فی الإفتاء، وحثّوا علیه، وکان بناء القدماء من الصحابة علی الاجتهاد‏‎ ‎‏بالأخذ بالعمومات والإطلاقات، وأنّه لو کان یلزم الاحتیاط علی المعاصرین لوقعوا‏‎ ‎‏فی الشدّة والحرج واختلال النظام.‏

‏مع أنّ الضرورة قاضیة بورود المطلق فی جواب السائل عن الأحکام‏‎ ‎‏الشخصیّ، وکان یعمل به، مع أنّ القید ورد فی جواب السائل الشخصیّ الآخر‏‎ ‎‏المحتاج إلی المسألة فیمعیشته، فإنّه من أمثال هذه الاُموریستکشف صحّة الاحتجاج.‏

‏ولو سلّمنا تمامیّة الشبهة بالنسبة إلی العصر الأوّل؛ وهو عصر التشریع، فلا‏‎ ‎‏نسلّم بالنسبة إلی العصور المتأخّرة وعصر الغیبة.‏

‏وتوهّم استناد الغیبة إلی الاُمّة العاصیة، فیکون قصور البیان وعدم إیصال‏‎ ‎‏الأحکام، معلول القبائح والأفعال الأسواء، فلایصحّ التمسّک بالعمومات والمطلقات‏‎ ‎‏بعد الدیدن المشاهد، غیر جائز؛ ویطلب من محلّ آخر.‏

‏وما اشتهر بین أبناء التکلّم : «من أنّ عدمه منّا»‏‎[1]‎‏ مأخوذ أحیاناً من بعض‏‎ ‎‏الأخبار. وحیث إنّ المسألة من المسائل الإلهیّة العقلیّة المحرّر تفصیلها فی‏‎ ‎‏«قواعدنا الحکمیّة»‏‎[2]‎‏ ولاتصل إلیها أفهام أرباب العلوم الظاهریّة، فإیکالها إلیٰ‏‎ ‎‏أهلها أولیٰ. ولو کانت الأخبار الصحیحة صریحة فی ذلک فهی مأوّلة علیٰ أنّهم‏‎ ‎‏یتکلّمون حسب اختلاف العقول، ولا منع من دخالة ذلک علیٰ نحو الجزئیّة‏‎ ‎‏المبهمة، فلاتکن من الجاهلین.‏

فتحصّل :‏ أنّ إیجاب الاحتیاط، وإسقاط التمسّک بالعمومات والإطلاقات‏‎ ‎‏لأجل أمثال هذه الشبهات، غیر تامّ جداً.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 430
‏نعم، لمکان أنّ الشبهة عقلائیّة بالنسبة إلیٰ عصر التشریع، فهی لاتندفع بما مرّ‏‎ ‎‏دفعاً لها، فلابدّ من القول: بأنّ العمومات والمطلقات حجّة ظاهریّة، ولایمکن کشف‏‎ ‎‏المراد بها، ولعلّ إلیٰ هذا یرجع ما فی «الکفایة»‏‎[3]‎‏ فتأمّل تعرف.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 431

  • ))کشف المراد : 362 .
  • ))القواعد الحکمیة للمؤلف قدس سره (مفقودة) .
  • ))کفایة الاُصول : 288 .