الصورة الثالثة :
إذا کان المطلق مقروناً بذکر السبب، والمقیّد غیر مقرون، أو بالعکس، لایحمل، وتصیر النتیجة مثل الصورة الاُولیٰ، مثلاً إذا ورد «أعتق الرقبة» ثمّ ورد «إن
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 499
أفطرت أعتق الرقبة المؤمنة» أو ورد «إنّ النظر إلیٰ وجه العالم واجب» ثمّ ورد «انظر إلیٰ وجه العالم إذا مرضت» فإنّه ـ حسبما صرّحوا به ـ لایحمل المطلق علی المقیّد؛ لأجل الدور، أو لأجل أنّ المطلق حجّة فی موارد عدم تحقّق سبب المقیّد، ولایجوز رفع الید عنها إلاّ بالحجّة، وهی منتفیة؛ لأنّ مقتضیٰ حمل المطلق علی المقیّد رفع الید عنه بدونها، کما لایخفیٰ.
أقول : هناک تفصیل؛ وهو أنّه لو فرضنا صدور المطلق غیر مقرون بذکر السبب نحو «أعتق الرقبة» و «اذبح الشاة» وصدور المقیّد مقروناً بذکر السبب نحو «إن ظاهرت أعتق المؤمنة» و «إن جامعت فی الحجّ فاذبح السمینة» مثلاً فهناک إطلاقان وتقییدان:
الإطلاق من ناحیة عدم کون الحکم فی الأوّل مشروطاً.
والثانی من ناحیة أنّ موضوع الحکم بلا قید.
والتقییدان یظهران منهما.
فإذا نظرنا إلی الإطلاق والتقیید الأوّل، فلایبعد تعیّن حمل المطلق علی المقیّد، کما إذا ورد الأمر بالحجّ، ثمّ ورد الأمر به عند الاستطاعة، أو الأمر بالصلاة یوم الجمعة، ثمّ ورد الأمر بها مع الإمام العادل، فإنّه لمکان ظهور الأمرین فی صِرْف الوجود وفی محطّ الکلام ـ وهی الأوامر الإلزامیّة ـ یکون حمل المطلق علی المقیّد أقرب الوجوه. فإذا کان للمطلق سبب یلزم اندراج هذه الصورة فیما سبق من الصورة الثانیة، وما یتعلّق بها من الأحکام الماضیة والمناقشات المزبورة.
فبالجملة تحصّل : أنّ الإطلاق من ناحیة عدم ذکر السبب یستلزم التقید من
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 500
هذه الناحیة، فیخرج عن مفروض البحث، وهو الواضح.
بقی شیء : وهوفرض العلم الخارجیّ بعدم التقیید من ناحیة عدم ذکر السبب
وهو إذا فرضنا العلم الخارجیّ بعدم التقیید من هذه الناحیة، فمعنیٰ ذلک یرجع إلی العلم بتعدّد الأمر التأسیسیّ، مع کون النسبة بین متعلّقی الأمر عموماً مطلقاً، وهذا أیضاً غیر ممکن، وتصیر النتیجة ما مرّ أیضاً من الأخذ بأحدهما: إمّا المطلق بإسقاط السبب، وهو خلاف ظهور القضیّة الشرطیّة فی السببیّة، أو الأخذ بالمقیّد بحمل المطلق علیه، وهو أهون، فلایبقیٰ وجه لتوهّم الدور وغیر ذلک؛ لأنّ المطلق حینئذٍ لایکون حجّة حتّیٰ لایجوز رفع الید عنه بدون الحجّة.
وإن شئت قلت : إنّ فی صورة عدم الابتلاء بالسبب، لابدّ من امتثال الإطلاق، ولو لم یمتثل وابتلی بالسبب المفروض فأفطر یلزم ما مرّ، وقد عرفت علاجه ومحتملاته، فلانعید.
بقی شیء آخر : وهو ما إذا کان القید غیر مقرون بذکر السبب
فإنّه من هذه الناحیة له الإطلاق، فیقیّد بدلیل القید، ویلزم منه سرایة قیده إلی المطلق المقرون بذکر السبب، فیعطیٰ کلّ واحد منهما قید بالآخر.
فبالجملة : ینتفی الدور المذکور فی التقریرات؛ لأجل أن العلم بوحدة التکلیف فی ناحیة المتعلّق، ناشئ من کون النسبة بین المتعلّقین عموماً مطلقاً کما لایخفیٰ، لا من جهة اُخریٰ کما فی کلامه، فراجع.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 501