ومنها: معتبر عبدالرحمن بن الحجّاج
عن أبی إبراهیم علیه السلام قال: سألته عن الرجل یتزوّج المرأة فی عدّتها بجهالة...
إلیٰ أن قال: «وقد یعذر الناس فی الجهالة بما هو أعظم من ذلک».
فقلت: بأیّ الجهالتین یعذر؛ بجهالته أن یعلم أنّ ذلک محرّم علیه، أم بجهالته أنّها فی عدّة؟
فقال: «إحدی الجهالتین أهون من الاُخریٰ: الجهالة بأنّ الله حرّم ذلک علیه؛ وذلک بأنّه لا یقدر علی الاحتیاط معها».
فقلت: وهو فی الاُخریٰ معذور.
قال: «نعم، إذا انقضت عدّتها فهو معذور فی أن یتزوّجها».
قلت: فإن کان أحد متعمّداً، والآخر یجهل.
فقال: «الذی تعمّد لا یحلّ له أن یرجع إلیٰ صاحبه أبداً».
وفی بعض النسخ: «بأیّ الجهالتین أعذر» والأمر سهل.
أقول: حیث إنّ الأهونیّة ونفس الروایة، تدلّ علیٰ أنّ مورد الاعتذار هو المعنی التکلیفیّ، لا الوضعیّ؛ لإمکان کون المکلّف معذوراً بالقیاس إلیٰ مخالفته، وأعذر بالقیاس إلیٰ آخر؛ لإمکان کون حجّته فی صورة قیام خبر الثقة، وفی صورة
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 32
قیام الخبر المتواتر، أو یکون فی صورة جاهلاً مقروناً بالعجز، وفی اُخریٰ جاهلاً محضاً، یصحّ الاستناد إلی الخبر المذکور علی البراءة بنفس الجهالة بالحکم؛ سواء کانت جهالة مقرونة بالغفلة الموجبة للعجز عن الاحتیاط، أو الجهالة غیر المقرونة به، کما فی الجاهل الملتفت.
ودعویٰ: أنّ الخبر یدل علیٰ أنّ المفروض فیه الجاهل الغافل لا الملتفت، غیر مسموعة بعد التعلیل الصریح فی أنّ إحدی الجهالتین أهون من الاُخریٰ، فإنّ الأهونیّة المذکورة فیه لا تمکن إلاّ فی صورة الغفلة، وأمّا الهیّنیة التی فی مقابل أفعل التفضیل، فهی فی صورة عدم الغفلة، فالجهل فیه أعمّ بالضرورة، وتصیر النتیجة معذوریّة الجاهل بالحکم أو الموضوع ولو کان عن التفات.
وتندفع المشکلة الاُولیٰ ـ وهی أنّ الجهالة إن کانت بمعنی الغفلة، ففی الصورتین یعجز عن الاحتیاط، وإن کانت بمعنی الجهل المقرون مع الالتفات، ففیهما یتمکّن من الاحتیاط : بأنّ الجهالة هی الأعمّ، فلا معضلة.
ولو شئت تقول: إنّ هنا إشکالاً علی التقادیر المختلفة؛ وذلک أنّ «الجهالة» إن کانت هی الغفلة فلا یتمّ التعلیل، وإن کانت هی الجهل فلا یعذر فیما إذا کان قبل الفحص، ولا تبقی الجهالة بعد الفحص؛ ضرورة أنّ الجهالة بالحکم، ترتفع قطعاً بالفحص بالنسبة إلیٰ ذلک الحکم الواضح، وبالموضوع أیضاً عادة.
هذا مع أنّ فی صورة الجهل بالموضوع، لا یستند العذر إلی الجهالة؛ لأنّه إن کان یعلم: بأنّها لم تکن فی العدّة، فالاستصحاب محکّم، وإن کان یعلم: أنّها فی العدّة، فأیضاً یجری الاستصحاب.
وإن کان لا یعلم الحکم الوضعیّ، فهو کالحکم التکلیفیّ فی عدم بقاء الجهالة بعد الفحص، وعدم عذریّتها قبله، وهکذا فیما إذا لم یعلم: بأنّ مقدار العدّة أیّ مقدار؟
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 33
فبالجملة: متن الحدیث مضطرب، فالأولیٰ ترکه.
وبعبارة اُخریٰ: لا یمکن الشکّ فی العدّة إلاّ بعد العلم بالزواج، فإن کان یشکّ فی بقائه لأجل الموت أو الطلاق، فاستصحابه محکّم، وإن کان عالماً بزواله فاستصحاب بقائها فی العدّة جارٍ.
ونحن نقول: بعد کون الروایة صادرة فی عصر ومصر لا تختصّ بهما حکماً، بل هی قانون عامّ کلّی أبدیّ، یکون البحث والسؤال فرضیّاً، لا واقعیّاً وخارجیّاً؛ فإنّ أمثال ابن الحجّاج یسأل عن الأحکام فی مسائل مفروضة، فالإشکال فی حمل الروایة علیٰ فرض الجهل بالموضوع جهلاً عن التفات، فی غیر محلّه، کما فی «الدرر».
وعلیٰ هذا، إذا کان بحسب ذات الروایة «الجهالة» أعمّ، فلا یلزم فی ناحیة فرضها بالعدّة حمل علی النادر، وأمّا فی ناحیة الحکم فالغفلة أیضاً فرضیّة.
نعم، هذا وإن لم یکن من التفکیک؛ لإمکان الجامع ووجوده، إلاّ أنّه أمر بعید فی ذاته جدّاً، ولعلّ مراد المستشکل من «التفکیک» هو التفکیک بحسب الإرادة الجدّیة، لا الاستعمالیّة.
ویتوجّه إلی الاستدلال أوّلاً: بأنّ معذوریّته بالنسبة إلی الشبهة الحکمیّة، وأهونیّة هذا العذر من معذوریّته بالنسبة إلی الموضوعیّة، لا تکفی لنا؛ لأنّ ما هو المفضّل علیه هی الشبهة الموضوعیّة، وکلامنا فیما إذا کانت الشبهة الحکمیّة مورد جهالة الملتفت، فلا یعلم منها ما ینفعنا بعد اللتیّا والتی. هذا مع أنّ حدیث العذر ینقطع بأخبار الاحتیاط.
إن قلت: الجهالة المفروضة حاصلة فی موارد أخبار الاحتیاط.
قلت: نعم، إلاّ أنّها اُخذت عذراً، فلا تبقیٰ علیه.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 34