المسلک الثانی :
وهو أنّ الرفع مختلف باعتبار الفقرات، فإذا قیس إلی السهو والنسیان والخطأ فهو باعتبار إیجاب التحفّظ فی تلک الموارد، ویعلم من جملة: «رفع عن اُمّتی» أنّ فی الاُمم السالفة کان فی مواردها إیجاب التحفّظ، فالثقل الذی نحتاج إلیه فی الرفع، یکون بالنسبة إلی هذا الإیجاب والمنّة التی باعتبارها اُضیف الرفع إلی الاُمّة، تکون باعتبار إیجاب التحفّظ فی هذه الموارد؛ وأنّ النسیان لیس عذراً، وإلیه اُشیر فی «المثنوی»:
لا تؤاخذ إن نسینا شد گواه
که بود نسیان بوجهی هم گناه
ضرورة أنّ النسیان وإخواته الناشئة عن عدم الاهتمام بأمر المولیٰ، لا تعدّ عذراً.
فبالجملة: یکون الرفع لأجل ذلک، ویکون المرفوع ذات النسیان وعنوانه ادعاءً بلحاظ الآثار.
وإذا قیس إلی الثلاث الاُخر المشتملة علی الموصول، فالرفع باعتبار ثقل التکلیف فی هذه الموارد، مع قطع النظر عنه، والمرفوع هو الموضوع باعتبار الآثار.
وإذا قیس إلی السابقة، وهو: «رفع... ما لا یعلمون» فهو کذلک، ولاسیّما فی الشبهة الحکمیّة؛ فإنّ نفی التکلیف لا یحتاج إلی الادعاء. وأمّا فی الشبهات الموضوعیّة، فالمرفوع أیضاً نفس الموضوع؛ بلحاظ الأثر أو حکمها، فلا یحتاج إلی الادعاء.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 61
وأمّا الرفع، فبلحاظ ثقل إیجاب الاحتیاط فی الاُمم السابقة؛ ضرورة أنّه مع إیجاب الاحتیاط، لا یعدّ الجهل عذراً، ویکون الحکم الواقعیّ منجّزاً، بخلاف الأمر فی هذه الاُمّة، فإذا لم یکن إیجاب الاحتیاط فی هذه الاُمّة، یکون المرفوع نفس التکلیف. وأمّا بالقیاس إلی الثلاث الأخیرة، فالمرفوع هی العناوین باعتبار عدم تعلّق التکلیف الإلزامیّ بها، والرفع باعتبار ثقل هذه التکالیف التی کانت مثلاً فی الشرائع السابقة.
فبالجملة: إنّ قضیّة الرفع عن الاُمّة، هو وجود الکلفة والثقل مع قطع النظر عن الرفع بینهم؛ إمّا لأجل درک العقل، أو لأجل وجود حکم الشرع، أو لأجل إمکان إیجاد الشرع حکماً فی تلک الموارد، وهذا المقدار یکفی لجواز إسناد «الرفع» واستعماله، فلا تخلط.
وغیر خفیّ: أنّ ما اُفید هو الظاهر، وأمّا کون المرفوع إیجاب التحفّظ؛ وإیجاب الاحتیاط، أو کون المرفوع الحرمة الظاهریّة فی موارد الجهالة، کما ذهب إلیه کثیر من الأعلام حسب اختلاف الأفهام، فهو غیر جائز تخیّله، فکما أنّ فی الثلاث الثوانی یکون الموصول مرفوعاً بلحاظ الحکم مع قطع النظر عن الرفع، وإذا نسب إلیه الرفع یتبیّن أنّ الحرمة لیست ثابتة فی مورد الاضطرار والاستکراه؛ فإنّ «کلّ شیء اضطرّ إلیه ابن آدم فقد أحلّه الله تعالی» کذلک الأمر فی غیرها، فشرب التتن مجهول، وهو ممّا لا تعلمه الاُمّة، فهو مرفوع لجهة جهله، کما أنّ تلک الثلاث مرفوع فیها الحکم بحسب اللبّ؛ للجهة المذکورة فی الحدیث، فالعدول عمّا اُفید عدول عن ظاهر الحدیث.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 62