وهنا عویصات :
الاُولیٰ : بناءً علیٰ شمول رفع النسیان للشبهات الحکمیّة، یلزم عدم التکلیف فی مورد النسیان؛ وانتفاء الحکم الواقعیّ بالقیاس إلیه، فیلزم الدور؛ للزوم کون التکلیف الواقعیّ منوطاً بذکره، مع أنّه بدون الذکر لا یکون تکلیف.
الثانیة : کیف یعقل إیجاب التحفّظ بالنسبة إلی الناسی، حتّیٰ یکون الرفع بلحاظه؛ وأنّ ثقله موجب لرفع النسیان بلحاظ آثاره؟! ضرورة أنّ خطاب الناسی مستحیل، فإذا کان إیجابه مستحیلاً فالرفع لا معنی له؛ لما لا یمکن توجیه التکلیف والإیجاب الطریقیّ بالقیاس إلیه، کما هو مسلک الشیخ وجمع آخر.
بل لایمکن إیجاب الاحتیاط بالنسبة إلی الجاهل بنفس هذا الإیجاب.
الثالثة : لو کان الرفع بلحاظ الآثار، فیلزم رفع آثار النسیان بعنوانه الأوّلی، بل هوأولیٰ بذلک من رفع المعنی_' بلحاظ النسیان، کما لایخفیٰ، ولذلک إذاقیل: «لاشکّ لکثیر الشکّ» أو ورد: «لا سهو لمن أقرّ علیٰ نفسه بسهو» ترتفع أحکام السهو.
الرابعة : فی مورد «رفع... مالا یعلمون» أیضاً یلزم اختصاص التکلیف والأحکام بالعالمین، وهو مضافاً إلی امتناعه، مجمع علیٰ بطلانه.
الخامسة : لا امتنان فی رفع التکلیف الواقعیّ غیر الواصل؛ فإنّ الضرورة قاضیة بعدم جواز العقاب علیه عند الأخباریّ والاُصولیّ، فرفعه فی مورد نسیان
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 63
التکلیف وجهله غیر ذی منّة؛ لأنّ النسیان أیضاً فی حدّ الجهالة فی کونه عذراً عقلیّاً فی الجملة، کما أنّ الجهل أیضاً عذر فی الجملة.
السادسة : لو کان الأمر کما تحرّر، یلزم جواز التمسّک بالبراءة فی موارد الشکّ فی الطاقة والقدرة، وهم غیر ملتزمین به؛ ضرورة أنّ منشأ الاحتیاط فیها هو أنّ المخصّص والمقیّد لبّی، فإذا کان لفظیّاً فلازمه البراءة، کما فی غیر المقام. ولا معنیٰ لتوهّم اختصاص الرفع بموارد لا تتحمّل عادة، بل هو مطلق، وإن کان إطلاق الرفع لأجل رفع التکلیف بالقیاس إلیٰ تلک الموارد.
وغیر خفیّ: أنّ قضیّة هذا المسلک، هو تقیید الأدلّة الأوّلیة بالنسبة إلیٰ موارد الخطأ والنسیان وسائر الفقرات، إلاّ تلک الأخیرة. ولو کان بنحو الحکومة فنتیجة الحکومة هی التقیید اللبّی؛ وکشف الاختصاص ثبوتاً بغیر تلک الموارد.
أقول: العویصات المشار إلیها وإن کانت قابلة للدفع، کما تحرّر فی محلّه، وتبیّن إمکان شمول الخطابات للناسی، والغافل، والساهی، والجاهل، والعاجز، وأنّ الدور فی الموردین منتفٍ؛ لأنّ شرط فعلیّة التکلیف هو العلم بالخطاب الإنشائیّ، وأنّ المنصرف من رفع النسیان؛ هو أنّه فیموارد العذر العقلیّ مرفوع؛ لفهم العرف من ذلک، مع أنّه یستلزم لغویّة جعل الأحکام الخاصّة علیٰ عناوین «الخطأ، والسهو، والنسیان» وهو غیر ممکن، أو إجمال الحدیث، وهو مرفوع بمقایسة سائر الفقرات، وأنّ رفع التکلیف الواقعیّ فیه المنّة؛ لأنّه بدونه لا یمکن أن یکون إیجاب الاحتیاط، منتهیاً إلیٰ تنجیزه ولو لم یکن فیه الامتنان.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 64
إلاّ أنّ بقاء فعلیّته النفس الأمریّة لا أثر له؛ لأنّه إذا لم یصحّ العقاب علی المخالفة، فلا معنیٰ للتحریم والإیجاب، ولا یکون إلاّ لغواً فی مثل حرمة شرب التتن والخمر المشتبه، وأمّا فی مثل الاُمور التی لها الأثر کالقضاء والإعادة، فهو وإن کان غیر لغو، إلاّ أنّه لا یمکن إثبات القضاء والإعادة بالإطلاقات؛ لاحتمال انتفاء التکلیف الواقعیّ فی مورد الجهل مثلاً، لعدم القضاء له، فیشبه الدور.
اللهمّ إلاّ أن یقال: إنّ الحدیث لا یرفع بحسب الدلالة الحکم الواقعیّ؛ لما لامنّة فی رفعه، وإذا کان مقتضی الإطلاق الإعادة والقضاء، فلا لغویّة حتّیٰ یعلم انتفاؤه ثبوتاً.
اللهمّ إلاّ أن یقال: إنّ انتفاء القضاء والإعادة، من المنن علی الجاهل، أو إنّ انتفاء العقوبة علیٰ ترک الإعادة والقضاء، لازم ترک العقوبة ـ علیٰ إطلاقها علی المجهول. بل الاستحقاق علیٰ ترک القضاء والإعادة، عین الاستحقاق علیٰ ترک المجهول؛ لأنّ الأمر بالإعادة والقضاء، لیس تأسیساً جدیداً، بل کاشف عن بقاء الأمر الأوّل، وقد انتفی الأمر الأوّل للجهالة ـ بحدیث الرفع ـ من الأساس وعرقه، فلافوت حتّیٰ یستتبع القضاء، ولا جزئیّة مثلاً حتّیٰ تقتضی الإعادة، أو انتفت العقوبة علیٰ ترکه، الملازم لانتفاء العقوبة علیٰ ترک قضائه وإعادته، کما عرفت. وهذا غیر ما أفاده العلاّمة الخراسانیّ فی الحاشیة من الأعمیّة، حتّیٰ یقال: بأنّ الظاهر عدم رفع المؤاخذة إلاّ بلا واسطة، کما فی «الدرر» وفی حاشیة العلاّمة الأصفهانیّ.
وأمّا حدیث البراءة فی الشکّ فی القدرة، فممّا لا بأس بالالتزام به، لأنّ استصحاب عدم الطاقة وارد علی الاحتیاط، واستصحاب الطاقة منقّح الموضوع، وقلّما یتّفق أن لا تعلم الحالة السابقة.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 65
فذلکة الکلام
إنّ فی موارد حدیث الرفع، لیس المرفوع وجوب التحفّظ، أو الاحتیاط، أو العقاب، أو التکلیف فی ناحیة الموضوعات والصغریات، بل یصحّ نفی التکالیف الواقعیة من غیر لزوم المحذور، کما هی منتفیة فی الثلاث الأخیرة، فالمبرّر والمصحّح ـ بناءً علیٰ هذا المسلک ـ هو أحکام الموضوعات المدّعیٰ رفعها کلّها علیٰ نهج واحد؛ لانتسابه إلی التسع فی استعمال واحد، وقد عرفت: أنّ المرفوع حتّیٰ فی الشبهات الحکمیّة؛ هو الموضوع ادعاء.
بقی إشکال
وهو أنّ الحاجة فی تصحیح هذه النسبة الادعائیّة المجازیّة، لا یلزم أن تکون عموم الآثار؛ لکفایة الأثر الواحد فی ذلک بالضرورة، کما نشاهد فی استعمالاتنا العرفیّة، فالمرفوع لبّا لیس العقاب، ولا الاستحقاق، ولا المؤاخذة علی الإطلاق مع الواسطة، وبلا وسط، بل هو الأثر الواحد، وبلحاظه یستند مجازاً الرفع إلیٰ تلک الموضوعات، فانتفاء الأحکام الوضعیّة ممنوع.
ویندفع ذلک: بأنّه خلاف الإطلاق، ولا یمکن نفی أو طرد الإطلاق إلاّ فی صورتین: بأن یکون أحد الآثار واضحاً فی الأثریّة للمرفوع المدّعیٰ رفعه، أو ینضمّ إلیه الادعاء الآخر: وهو أنّ الأثر الکذائیّ تمام الأثر، أو هو الأثر البارز، وحیث إنّ الکلّ منتف فیما نحن فیه، فالإطلاق باقٍ. نعم، الالتزام بهذا المسلک خلاف ما هو المعروف بینهم: من أنّ الجاهل والناسی مورد التکلیف الفعلیّ، کغیرهما.
وغیر خفیّ: أنّ العویصات التی أشرنا إلیها، تتوجّه إلی المسلک القائل: بأنّ
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 66
الرفع حقیقیّ، والموضوع مرفوع عن الموضوعیّة للأدلّة الأوّلیة. وأیضاً تتوجّه إلیٰ أنّ مطلق الآثار لیس مرفوعاً، بل المرفوع هو التکالیف.
فعلی هذا، لا القول برفع العقاب سلیم ثبوتاً وإثباتاً، ولا القول برفع الآثار ـ ولو کان ببعض الأثر ـ سلیم من المناقشة، ولاسیّما إثباتاً والتزاماً، ولا القول برفع الموضوعیّة، ولا القول برفع العقاب المستتبع لرفع التکلیف طبعاً، بل هو مجمع المناقشات الثبوتیّة والإثباتیّة، ولا القول برفع المؤاخذة المطلقة، الأعمّ من ذات الواسطة، وغیر ذات الواسطة.
فجمیع هذه الأقوال مورد الإشکال؛ سواء کان المرفوع وجوب التحفّظ والاحتیاط، أو کان المرفوع نفس التکالیف، أو کان المرفوع الموضوعات الادعائیّة، أو کان المرفوع الحرمة الظاهریّة، أو کان المرفوع العقاب والمؤاخذة فی عَرْض رفع المناشئ له، وهی التکالیف، أو یقال بالتفصیل بین الفقرات؛ فیکون المرفوع فی بعضها بعضاً منها، وفی بعضها الآخر بعضاً آخر منها، فإنّ الکلّ محطّ المناقشات الثبوتیّة والإثباتیّة، فهل یردّ علم الحدیث إلیٰ أهله، أم هناک مسلک آخر
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 67
یأتی من ذی قبل إن شاء الله تعالیٰ؟
إن قلت: لو کان المرفوع وجوب التحفّظ والاحتیاط، أو الحرمة الظاهریّة، ـ کما هو ظاهر «الکفایة»ـ فلایتوجّه بعض الإشکالات، بل الإشکالات الثبوتیّة مندفعة کلّها؛ لانحفاظ الحکم التکلیفی الواقعیّ.
قلت: قد عرفت فی طیّ المسلک الأوّل، لغویّةَ الالتزام بالتکلیف الواقعیّ غیر المستتبع للأثر، فلا معنیٰ لتحریم الخمر وأشباهها ثبوتاً، مع عدم ترتّب أثر علیه؛ لا فی الدنیا، ولا فی العقبیٰ، فیلزم انتفاء الفعلیّة، والإلزام الواقعیّ أیضاً.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 68