المقصد التاسع فی البراءة

بحث وتحقیق : فی منع قاعدة قبح العقاب عقلاً، لا عرفاً وعقلائیّاً

بحث وتحقیق : فی منع قاعدة قبح العقاب عقلاً، لا عرفاً وعقلائیّاً

‏ ‏

‏لا شبهة فی أنّ هذه الکبریٰ «وهی أنّ العقاب بلا بیان قبیح» من القضایا‏‎ ‎‏المشهورة العقلائیّة، وتکون قابلة للاستناد إلیها لإثبات البراءة العقلائیّة، وأمّا‏‎ ‎‏التمسّک بها لإثبات البراءة العقلیّة، فهو فی محلّ المنع؛ وذلک لما تحرّر فی محلّه: من‏‎ ‎‏أنّ انتزاع العنوان الواحد والمفهوم الفارد من الکثیر بما هو کثیر، غیر معقول‏‎[1]‎‏،‏‎ ‎‏ولابدّ من رجوع الکثیر إلی الجهة الواحدة المشترکة، وأنّ الحیثیّات التعلیلیّة فی‏‎ ‎‏الأحکام العقلیّة، ترجع إلی التقییدیّة، وتکون بنفسها عناوین وموضوعات لذلک‏‎ ‎‏الحکم الذی یناله العقل؛ ویدرکه الفهم.‏

مثلاً:‏ انتزاع مفهوم «الوجود» وحمل «الموجود» علی الکثیر بما هو الکثیر،‏‎ ‎‏غیر ممکن إلاّ برجوع الکثیر إلیٰ معنی واحد هو قید له؛ ومشترک وسارٍ فی الکلّ،‏‎ ‎‏ویکون هو فی الحقیقة موضوع ذلک المفهوم والعنوان، وذلک هو حیثیّة الوجود، ولا‏‎ ‎‏یکون زید وعمرو وبکر موضوعاً لحمل «الموجود» بالحقیقة، وإنّما یحمل علیهم؛‏‎ ‎‏لحیثیّة الوجود المقرون معهم.‏

ومن هنا یظهر:‏ أنّ حمل «القبیح» علی «العقاب بلا بیان» وعلیٰ «ترجیح‏‎ ‎‏المرجوح علی الراجح» وعلیٰ «هتک المؤمن» لا یعقل أن یکون حملاً ذاتیّاً، ولیس‏‎ ‎


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 134
‏هو خارج المحمول لها ولذلک الکثیر، ولا الذاتیّ باب البرهان، بل هو عرضیّ بابِه‏‎ ‎‏ویعلّل، ویکون السبب والعلّة هو الظلم الذی هو الأمر المشترک بین الکلّ، وهو‏‎ ‎‏القبیح ذاتاً، ویکون القبح له خارج المحمول غیر معلّل.‏

‏فقولهم: «إنّ العقاب بلا بیان قبیح» یعلّل: بأنّه ظلم، وأنّ الظلم قبیح دونه، إلاّ‏‎ ‎‏بالتوسّع والمجاز العقلیّ، فالاستناد إلیٰ هذه القاعدة عند العقل، غیر صحیح.‏

‏نعم، لا بأس به بالنسبة إلی البراءة العقلائیّة والعرفیّة، فما هو مناط درک العقل‏‎ ‎‏البراءة عند الشبهة: هو أنّ العقاب ظلم، وحیث إنّه یمتنع صدوره منه تعالیٰ، فیمتنع‏‎ ‎‏صدور العقاب منه تعالیٰ عند ارتکاب الشبهة التحریمیّة، أو الوجوبیّة. ومن هنا‏‎ ‎‏یتبیّن الفرق بین البراءة العقلائیّة، والعقلیّة، ویظهر أنّ تسمیتهم هذه البراءة‏‎ ‎‏بـ«العقلیّة» فی غیر محلّه، بل هی عقلائیّة، ولا بأس بها فی محیطهم؛ وحسب‏‎ ‎‏موطنهم وموقفهم.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 135

  • )) الحکمة المتعالیة 6 : 59 ـ 62، شرح المنظومة، قسم الحکمة: 15 و 24.