حکم التعارض بین أخبار البراءة والاحتیاط
نعم، بقی شیء: وهو أنّ النوبة تصل إلی المعارضة والجمع، ولا شبهة فی أنّ من أخبار البراءة والحلّ ما یختصّ بالشبهات التحریمیّة؛ لقوله علیه السلام: «حتّیٰ تعلم الحرام بعینه» أو قوله: «حتّیٰ یرد فیه نهی» مثلاً، أو غیر ذلک، وعلیٰ هذا یلزم عکس مطلوب الأخباریّین؛ لأخصیّة هذه الطائفة من أخبار الاحتیاط، فیلزم التخصیص للجمع بینهما.
اللهمّ إلاّ أن یقال: بعدم تمامیّة هذه الطائفة فی محلّها دلالة؛ لاختصاصها بالموضوعیّة، وسنداً کما مرّ بتفصیل.
فعلیٰ هذا، تقع المعارضة والمکاذبة، وتصیر النسبة بینهما التباین، وتصل النوبة إلی التمییز أو الترجیح.
وما قد یقال: إنّ أخبار البراءة إمّا مخصّصة بالعقل أو الإجماع، أو غیر شاملة
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 175
للشبهات قبل الفحص، والمقرونة بالعلم الإجمالیّ، ویکفی الاُولیٰ وإن کانت شاملة للثانیة، وعلیٰ هذا تنقلب النسبة من التباین إلی العموم والخصوص المطلقین، فتصیر أخبار البراءة أخصّ، وتختصّ أخبار الاحتیاط بصورة قبل الفحص من الشبهات الوجوبیّة والتحریمیّة.
غیر وجیه؛ لما لم یثبت عندنا بناء من العقلاء علیٰ تقدیم ملاحظة نسبة الدلیلین علی الدلیلین الآخرین، إلاّ إذا کان الجمع لازماً عندهم بقول مطلق، والجمع مهما أمکن لیس أولیٰ من الطرح کما تحرّر، والتفصیل فی محلّه.
وما ربّما یظهر من العلاّمة الخراسانیّ قدس سره من صراحة أخبار البراءة فی مفادها، وظهور أخبار الاحتیاط، فتکون الاُولیٰ صالحة للقرینیّة علی الثانیة، غیر معلوم؛ لأنّ دلیل البراءة لیس قوله: «کلّ شیء مطلق حتّیٰ یرد فیه نهی» حتّیٰ یقال بمثله؛ ضرورة أنّه غیر نقیّ سنداً، کما عرفت، واُشیر إلیه آنفاً وما هو النقیّ سنداً ودلالة لیس نصّاً فی الشبهات الحکمیّة.
بل الطائفة المشار إلیها أیضاً کذلک؛ لأنّ العموم ظاهر من أداة الـ«کلّ» ولیست نصّاً فیه، فلا تخلط.
أقول: والذی یظهر لی؛ أنّ قضیّة الصناعة تقدّم أخبار الاحتیاط علی البراءة؛ لما عرفت فی مطاوی روایات البراءة: من أنّ المرفوع ولو کان حکماً واقعیّاً فی موارد الشبهة، یکون ذلک عند عدم وجود الحجّة علی الواقع، وأخبار الاحتیاط حجّة ومنجّز للواقع؛ لما عرفت من أنّ المراد من «العلم» فی أخبار البراءة ـ حتّیٰ
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 176
فی حدیث الرفع هو الحجّة، ویلزم بناءً علیٰ هذا اختصاص أخبار البراءة بالشبهات الموضوعیّة، وتکون أخبار الاحتیاط، حاکمةً علیٰ أخبار البراءة فی مطلق الشبهات الحکمیّة؛ وجوبیّة، وتحریمیّة.
وحیث إنّ الطائفة کلّهم غیر عاملین بها، یلزم الإعراض إجماعاً عنها. ولا وجه للتفکیک بالعمل بها فی الشبهات التحریمیّة، دون الوجوبیّة؛ لعدم وجه صحیح له کما تریٰ، فلا تصلح هذه الطائفة من هذه الجهة لمقاومة تلک الطائفة. وهذا ممّا یصدّقه الأخباریّ والاُصولیّ فی موارد إجماع الأصحاب ـ صدراً وذیلاً علیٰ عدم الاعتناء بالخبر المعارض؛ لأنّ فی الأخبار العلاجیّة، ورد الأمر بطرح تلک الأخبار الشاذّة النادرة، و«إنّ المجمع علیه لا ریب فیه» فلاحظ واغتنم.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 177