المقصد التاسع فی البراءة

حکم التعارض بین أخبار البراءة والاحتیاط

حکم التعارض بین أخبار البراءة والاحتیاط

‏ ‏

‏نعم، بقی شیء: وهو أنّ النوبة تصل إلی المعارضة والجمع، ولا شبهة فی أنّ‏‎ ‎‏من أخبار البراءة والحلّ ما یختصّ بالشبهات التحریمیّة؛ لقوله ‏‏علیه السلام‏‏: ‏«حتّیٰ تعلم‎ ‎الحرام بعینه»‎[1]‎‏ أو قوله: ‏«حتّیٰ یرد فیه نهی»‎[2]‎‏ مثلاً، أو غیر ذلک، وعلیٰ هذا یلزم‏‎ ‎‏عکس مطلوب الأخباریّین؛ لأخصیّة هذه الطائفة من أخبار الاحتیاط، فیلزم‏‎ ‎‏التخصیص للجمع بینهما.‏

‏اللهمّ إلاّ أن یقال: بعدم تمامیّة هذه الطائفة فی محلّها دلالة؛ لاختصاصها‏‎ ‎‏بالموضوعیّة، وسنداً کما مرّ بتفصیل‏‎[3]‎‏.‏

‏فعلیٰ هذا، تقع المعارضة والمکاذبة، وتصیر النسبة بینهما التباین، وتصل‏‎ ‎‏النوبة إلی التمییز أو الترجیح.‏

وما قد یقال:‏ إنّ أخبار البراءة إمّا مخصّصة بالعقل أو الإجماع، أو غیر شاملة‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 175

‏للشبهات قبل الفحص، والمقرونة بالعلم الإجمالیّ، ویکفی الاُولیٰ وإن کانت شاملة‏‎ ‎‏للثانیة، وعلیٰ هذا تنقلب النسبة من التباین إلی العموم والخصوص المطلقین، فتصیر‏‎ ‎‏أخبار البراءة أخصّ، وتختصّ أخبار الاحتیاط بصورة قبل الفحص من الشبهات‏‎ ‎‏الوجوبیّة والتحریمیّة‏‎[4]‎‏.‏

غیر وجیه؛‏ لما لم یثبت عندنا بناء من العقلاء علیٰ تقدیم ملاحظة نسبة‏‎ ‎‏الدلیلین علی الدلیلین الآخرین، إلاّ إذا کان الجمع لازماً عندهم بقول مطلق، والجمع‏‎ ‎‏مهما أمکن لیس أولیٰ من الطرح کما تحرّر، والتفصیل فی محلّه‏‎[5]‎‏.‏

‏وما ربّما یظهر من العلاّمة الخراسانیّ ‏‏قدس سره‏‏ من صراحة أخبار البراءة فی‏‎ ‎‏مفادها، وظهور أخبار الاحتیاط، فتکون الاُولیٰ صالحة للقرینیّة علی الثانیة‏‎[6]‎‏، غیر‏‎ ‎‏معلوم؛ لأنّ دلیل البراءة لیس قوله: ‏«کلّ شیء مطلق حتّیٰ یرد فیه نهی»‏ حتّیٰ یقال‏‎ ‎‏بمثله؛ ضرورة أنّه غیر نقیّ سنداً، کما عرفت‏‎[7]‎‏، واُشیر إلیه آنفاً وما هو النقیّ سنداً‏‎ ‎‏ودلالة لیس نصّاً فی الشبهات الحکمیّة.‏

‏بل الطائفة المشار إلیها أیضاً کذلک؛ لأنّ العموم ظاهر من أداة الـ«کلّ»‏‎ ‎‏ولیست نصّاً فیه، فلا تخلط.‏

أقول:‏ والذی یظهر لی؛ أنّ قضیّة الصناعة تقدّم أخبار الاحتیاط علی البراءة؛‏‎ ‎‏لما عرفت فی مطاوی روایات البراءة: من أنّ المرفوع ولو کان حکماً واقعیّاً فی‏‎ ‎‏موارد الشبهة، یکون ذلک عند عدم وجود الحجّة علی الواقع، وأخبار الاحتیاط‏‎ ‎‏حجّة ومنجّز للواقع؛ لما عرفت من أنّ المراد من ‏«العلم» ‏فی أخبار البراءة ـ حتّیٰ‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 176

‏فی حدیث الرفع هو الحجّة‏‎[8]‎‏، ویلزم بناءً علیٰ هذا اختصاص أخبار البراءة‏‎ ‎‏بالشبهات الموضوعیّة، وتکون أخبار الاحتیاط، حاکمةً علیٰ أخبار البراءة فی‏‎ ‎‏مطلق الشبهات الحکمیّة؛ وجوبیّة، وتحریمیّة.‏

‏وحیث إنّ الطائفة کلّهم غیر عاملین بها، یلزم الإعراض إجماعاً عنها. ولا‏‎ ‎‏وجه للتفکیک بالعمل بها فی الشبهات التحریمیّة، دون الوجوبیّة؛ لعدم وجه صحیح‏‎ ‎‏له کما تریٰ، فلا تصلح هذه الطائفة من هذه الجهة لمقاومة تلک الطائفة. وهذا ممّا‏‎ ‎‏یصدّقه الأخباریّ والاُصولیّ فی موارد إجماع الأصحاب ـ صدراً وذیلاً علیٰ عدم‏‎ ‎‏الاعتناء بالخبر المعارض؛ لأنّ فی الأخبار العلاجیّة، ورد الأمر بطرح تلک الأخبار‏‎ ‎‏الشاذّة النادرة، و‏«إنّ المجمع علیه لا ریب فیه»‎[9]‎‏ فلاحظ واغتنم.‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 177

  • )) الکافی 5 : 313 / 40، وسائل الشیعة 17: 89 ، کتاب التجارة، أبواب ما یکتسب به، الباب 4، الحدیث 4.
  • )) الفقیه 1: 208 / 937، وسائل الشیعة 27 : 173 ، کتاب القضاء، أبواب صفات القاضی، الباب 12، الحدیث 67.
  • )) تقدّم فی الصفحة 21 ـ 38 .
  • )) درر الفوائد، المحقّق الخراسانی : 211 ، مصباح الاُصول 2 : 302 .
  • )) ممّا یؤسف له أنّ الکتاب لم یصل إلی مباحث التعادل والترجیح .
  • )) کفایة الاُصول : 393.
  • )) تقدّم فی الصفحة 21 ـ 22 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 21 و 28 ـ 31 و 38 .
  • )) الکافی 1 : 67 ـ 68 ، وسائل الشیعة 27 : 106 ، کتاب القضاء ، أبواب صفات القاضی، الباب 9 ، الحدیث 1 .