المقصد التاسع فی البراءة

الطائفة الخامسة : الروایات المشتملة علیٰ أنّ «لکلّ مَلِک حِمی، وحِمی الله‌ محارمه»

الطائفة الخامسة : الروایات المشتملة علیٰ أنّ «لکلّ مَلِک حِمی، وحِمی الله محارمه»[1]

‏ ‏

‏وهی مضافاً إلیٰ ضعف إسنادها، ظاهرة فی بیان رجحان الاحتیاط؛ وأنّه‏‎ ‎‏لایرتکب المشتبهات لما یوشک أن یوقع فیها، ضرورة أنّه لا یمکن الاجتناب عن‏‎ ‎‏الآثار الوضعیّة المضرّة بالروح أو الجسد ضرراً قابلاً للجبران، أو غیر ممنوع؛ لأجل‏‎ ‎‏المصالح السیاسیّة الکلّیة، إلاّ بالاجتناب عن الشبهات، وربّما یقع فیها ولو اجتنب؛‏‎ ‎‏لأنّ من الممکن کثیراً تبیّن حرمة الواجب، أو وجوب المحرّم، فلا تغفل.‏

‏ ‏

جولة إجمالیّة حول المسألة

‏ ‏

اعلم:‏ أنّه إذا راجعنا مجموع هذه الطوائف، وحاولنا الفحص عن‏‎ ‎‏خصوصیّاتها، والبحث حول الکلّ، نجد أنّه لا یستفاد منها أمراً إلزامیّاً شرعیّاً؛‏‎ ‎‏لاختلاف ألسنة الأخبار الراجعة إلیٰ شیء واحد.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 180
وتوهّم:‏ أنّه ربّما تکون فی الواجبات القطعیّة ألسنة الروایات مختلفة، کما فی‏‎ ‎‏مثل الصوم والصلاة، غیر نافع؛ لأنّ وجوبها ضروریّ، ولا یستکشف من الآثار‏‎ ‎‏والأخبار، فلا یضرّ به اختلاف المآثیر، بخلاف الوجوب المشکوک، کما نحن فیه.‏

‏ثمّ إنّ شریعة الإسلام شریعة سهلة سمحة، لها المبادئ المختلفة، وبحسب‏‎ ‎‏تلک المبادئ المختلفة تختلف الآثار والأخبار، مثلاً من المبادئ ملاحظة سیاسة‏‎ ‎‏المدن والمنزل، وملاحظة سهولة الأمر علی المسلمین، وترغیب الناس فی الإسلام،‏‎ ‎‏فإذا کان هذا مبدأً فلا یصدر منه إلاّ ‏«کلّ شیءٍ حلال»‎[2]‎‏ و‏«کلّ شیء طاهر»‎[3]‎‎ ‎‏و«‏رفع... مالا یعلمون»‎[4]‎‏ وأمثالها.‏

‏وحیث إنّه شرع یحافظ علیٰ مصالح العباد الروحیّة والجسمیّة الفردیّة،‏‎ ‎‏ویلاحظ أنّ الترغیب المذکور ربّما یوجب التهتّک، فیصدر بمبدئیّة ذلک أوامرَ‏‎ ‎‏التوقّف والاحتیاط، وأنّ ‏«ما اشتبه علیک علمه فالفظه، وما أیقنت بطیب وجهه فنل‎ ‎منه»‎[5]‎‏.‏

‏فلا تهافت بین هذه الروایات؛ لاختلاف تلک المبادئ الراجعة إلیٰ سیاسة‏‎ ‎‏کلّیة لازمة، وسیاسة فردیّة راجحة، أو لازمة فی المجموع، لا بلحاظ الضرر فرداً،‏‎ ‎‏فإنّه إذا کان المولیٰ یجد تجنّب جمع ندباً عن الشبهات، فله الأمر الندبیّ به ولو کان‏‎ ‎‏لازماً فی الجملة؛ لوصوله إلیٰ مقصوده، فلا تخلط.‏

‏ثمّ إنّه لا وجه یعتنیٰ به للتفصیل بین الشبهات التحریمیّة الحکمیّة‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 181
‏والوجوبیّة‏‎[6]‎‏؛ ضرورة أنّ اختصاص أخبار البراءة بالموضوعیّة بلا وجه،‏‎ ‎‏واختصاص أخبار الاحتیاط کذلک.‏

وتوهّم:‏ أنّ الأوامر الواردة فی الوقوف، ظاهرة فی الشبهات التحریمیّة، فعلیها‏‎ ‎‏یحمل غیرها، غیر صحیح؛ لأنّهما من الموجبتین، فلا منع من کون إطلاق أخبار‏‎ ‎‏الاحتیاط محکّم والرجوع إلی الإجماع‏‎[7]‎‏ خروج عن دأب الأخباریّین، مع أنّه غیر‏‎ ‎‏تامّ عندنا أیضاً؛ لأنّه إجماع معلّل غیر تعبّدی.‏

‏إلیٰ هنا تمّ ما هو الدلیل الوحید للأخباریّ، وبقیت بعض الوجوه العقلیّة تحت‏‎ ‎‏عنوان «جولة حول حکم العقل»:‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 182

  • )) جامع أحادیث الشیعة 1: 399 ـ 4040، أبواب المقدّمات، الباب 8 ، الحدیث 44 و45.
  • )) الکافی 6 : 339 / 2، وسائل الشیعة 25: 118 ـ 119 ، کتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأطعمة المباحة، الباب 61.
  • )) المقنع: 15، مستدرک الوسائل 2: 583، کتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 30، الحدیث4.
  • )) الخصال 2: 417 / 9، التوحید : 353 / 24.
  • )) نهج البلاغة : 417 ، الرسائل 45 .
  • )) وسائل الشیعة 27 : 163 ، کتاب القضاء، أبواب صفات القاضی، الباب 12، ذیل الحدیث33، الحدائق الناضرة 1: 43 ـ 44.
  • )) تهذیب الاُصول 2 : 203.