التنبیه الرابع حول حسن الاحتیاط عقلاً
قد اشتهر حسن الاحتیاط عقلاً، وغیر خفیّ أنّ الاحتیاط المنتهی إلی الوسواس، لیس مستحسناً، فالمراد من أنّ الاحتیاط حسن، هو الاحتیاط مع قطع النظر عن بعض تبعات مترتّبة علیه أحیاناً، کالعسر والحرج، والضرر، وأشباه ذلک.
وربّما یشکل الأمر من جهة أنّ مفهوم «الاحتیاط» هل ینتزع عن قصد ذهنیّ؛ ولا یرتبط بالخارج، أم یعدّ من الانتزاعیّات عن عمل خارجیّ؟ لا سبیل إلی الأوّل؛ فإنّ فی فعل العبادة الکذائیّة أو الأمر التوصّلی، احتیاطاً عملیّاً، فیکون فی موارد احتمال الأمر والإخلال بالواجب، احتیاط بإتیان العمل الخارجیّ، وأمّا الاحتیاط فی النیّة فغیر معقول؛ لأنّه أمر خارج عن الاختیار حسب العادة.
فعلیٰ هذا، کیف یعقل الاحتیاط فی ناحیة احتمال النهی والمبغوضیّة؛ فإنّ الترک عدم مطلق، فکیف ینتزع هناک مفهوم «الاحتیاط»؟! والضرورة قاضیة بامتناع أخذ عنوان وجودیّ من العدم الصِرْف الذی لا واقعیّة له بتاتاً.
فإذا ترک مشتبه الخمر یعبّر عنه بـ«أنّه احتاط» وهل هذا المفهوم یحکی عن حیثیّة وجودیّة، أو عدمیّة؟ لا سبیل إلی الثانی، ولا إلی الأوّل، ولا إلی الثالث: وهو أنّ مفهوم «الاحتیاط» کمفهوم «العدم» یحکی عن العدمیّة فی الخارج وعن السلب؛ فإنّ هذا المفهوم وجودیّ مشترک مع ما یستعمل فی ناحیة الاحتیاط فی الإتیان
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 222
بمحتمل الأمر، فتدبّر.
ثمّ إنّ عنوان «حسن الاحتیاط» لابدّ وأن یرجع إلی العنوان الذاتیّ، فإنّ الاُمور الاُخر المستحسنة العقلیّة کثیرة، ولا یعقل انتزاع عنوان واحد من الکثیر إلاّ بعد رجوعها إلیٰ واحد؛ حتّیٰ یکون عنوان «الحسن» منتزعاً من ذلک الواحد.
مثلاً: العدالة حسنة، والانقیاد والطاعة حسن وهکذا، فالکلّ یرجع إلیٰ معنی وحدانیّ هو حسن بالذات، والاحتیاط حسن بالحیثیّة التقییدیّة التی هی الحسن ذاتاً، وذاک حسن مجازاً، فاغتنم.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 223