المقصد التاسع فی البراءة

التنبیه الرابع حول حسن الاحتیاط عقلاً

التنبیه الرابع حول حسن الاحتیاط عقلاً

‏ ‏

‏قد اشتهر حسن الاحتیاط عقلاً‏‎[1]‎‏، وغیر خفیّ أنّ الاحتیاط المنتهی إلی‏‎ ‎‏الوسواس، لیس مستحسناً، فالمراد من أنّ الاحتیاط حسن، هو الاحتیاط مع قطع‏‎ ‎‏النظر عن بعض تبعات مترتّبة علیه أحیاناً، کالعسر والحرج، والضرر، وأشباه ذلک.‏

‏وربّما یشکل الأمر من جهة أنّ مفهوم «الاحتیاط» هل ینتزع عن قصد‏‎ ‎‏ذهنیّ؛ ولا یرتبط بالخارج، أم یعدّ من الانتزاعیّات عن عمل خارجیّ؟ لا سبیل إلی‏‎ ‎‏الأوّل؛ فإنّ فی فعل العبادة الکذائیّة أو الأمر التوصّلی، احتیاطاً عملیّاً، فیکون فی‏‎ ‎‏موارد احتمال الأمر والإخلال بالواجب، احتیاط بإتیان العمل الخارجیّ، وأمّا‏‎ ‎‏الاحتیاط فی النیّة فغیر معقول؛ لأنّه أمر خارج عن الاختیار حسب العادة.‏

‏فعلیٰ هذا، کیف یعقل الاحتیاط فی ناحیة احتمال النهی والمبغوضیّة؛ فإنّ‏‎ ‎‏الترک عدم مطلق، فکیف ینتزع هناک مفهوم «الاحتیاط»؟! والضرورة قاضیة بامتناع‏‎ ‎‏أخذ عنوان وجودیّ من العدم الصِرْف الذی لا واقعیّة له بتاتاً.‏

‏فإذا ترک مشتبه الخمر یعبّر عنه بـ«أنّه احتاط» وهل هذا المفهوم یحکی عن‏‎ ‎‏حیثیّة وجودیّة، أو عدمیّة؟ لا سبیل إلی الثانی، ولا إلی الأوّل، ولا إلی الثالث: وهو‏‎ ‎‏أنّ مفهوم «الاحتیاط» کمفهوم «العدم» یحکی عن العدمیّة فی الخارج وعن السلب؛‏‎ ‎‏فإنّ هذا المفهوم وجودیّ مشترک مع ما یستعمل فی ناحیة الاحتیاط فی الإتیان‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 222
‏بمحتمل الأمر، فتدبّر.‏

‏ثمّ إنّ عنوان «حسن الاحتیاط» لابدّ وأن یرجع إلی العنوان الذاتیّ، فإنّ‏‎ ‎‏الاُمور الاُخر المستحسنة العقلیّة کثیرة، ولا یعقل انتزاع عنوان واحد من الکثیر إلاّ‏‎ ‎‏بعد رجوعها إلیٰ واحد؛ حتّیٰ یکون عنوان «الحسن» منتزعاً من ذلک الواحد.‏

مثلاً:‏ العدالة حسنة، والانقیاد والطاعة حسن وهکذا، فالکلّ یرجع إلیٰ معنی‏‎ ‎‏وحدانیّ هو حسن بالذات، والاحتیاط حسن بالحیثیّة التقییدیّة التی هی الحسن‏‎ ‎‏ذاتاً، وذاک حسن مجازاً، فاغتنم.‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 223

  • )) الفصول الغرویّة: 305، السطر 16، فرائد الاُصول 1: 375، کفایة الاُصول : 398، فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 3: 398.