الأمر الثانی : حول الاحتیاط فی التعبّدیات
بعدما عرفت حال الاحتیاط فی التوصّلیات، بقی کلام حول التعبّدیات.
والتحقیق الحقیق بالتصدیق: أنّ المناقشة فی رجحان الاحتیاط فیها تارة: من
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 226
ناحیة اعتبار قصد الوجه والتمییز، غیر جیّدة من الأصاغر، فضلاً عن الأکابر.
واُخریٰ: من ناحیة أنّ عبادیّة العبادة منوطة بالانبعاث عن الأمر، وفی صورة العلم بالأمر یکون الانبعاث مستنداً إلی الأمر؛ لطریقیّة العلم، وأنّه مغفول عنه، وأمّا الاحتمال فهو لیس مغفولاً عنه، فیکون الانبعاث عن الأمر المحتمل، وإذا لم یکن أمر، أو کان أمر واقعیّ، لا تقع العبادة عبادة، فتکون تشریعاً سواء صادف الاحتمال الواقع، أو خالف.
وهذا التقریب أولیٰ من قولهم: «بأنّ فی صورة احتمال الأمر، تقع العبادة تشریعاً فی صورة عدم وجود الأمر» فإنّه بیان ممنوع؛ ضرورة أنّ المحتاط أوّلاً: لا یرید التشریع، ولا یعقل التشریع، کما تحرّر فی محلّه.
وثانیاً: عند الشکّ فی تحقّق التشریع، یرجع إلی البراءة، فببرکة البراءة ترتفع حرمة التشریع، ویبقیٰ رجحان الاحتیاط علیٰ حاله، فلا یقع الأمر دائراً فی العبادات بین رجحان الاحتیاط، ومرجوحیّة التشریع، والثانی یوجب انتفاء موضوع الأوّل، بل ببرکة البراءة یبقیٰ للاحتیاط موضوع بلا محذور عقلیّ، ولا شرعیّ.
وتوهّم: أنّ احتمال الحرمة الواقعیّة یزاحم رجحان الاحتیاط، مندفع بأنّ فی التشریع فی العبادة، تکون الحرمة منحصرة بمرحلة الإثبات، ولا مبغوضیّة ثبوتیّة للتشریع؛ فإنّ ما هو المبغوض هو التدیّن بما لیس من الشرع، وهو معنی إثباتیّ.
فتحصّل: أنّ ما أفاده القوم بیاناً لممنوعیّة جریان الاحتیاط فی العبادات، غیر تامّ وغیر وجیه، بخلاف ما ذکرناه، فإنّه یستلزم کون العمل العبادیّ تشریعاً علیٰ کلّ
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 227
تقدیر؛ ضرورة أنّ مقتضیٰ مقالة المشهور أنّ عبادیّة العبادة بالانبعاث عن الأمر، وفی صورة احتمال الأمر یکون الانبعاث عن الاحتمال، أو المحتمل، لا الأمر.
وتوهّم: أنّ فی صورة العلم بالأمر یکون الانبعاث عن العلم بالأمر، غیر تامّ؛ لأنّ العلم مرآة فانٍ فی المعلوم، بخلاف الاحتمال.
وأمّا حدیث الخلاف فی کیفیّة فهم عبادیّة العبادة؛ وأنّه هل هو لامتناع أخذها فی المأمور به بالأمر الأوّل والثانی، کما فی «الکفایة» فیکون من الإجماع وأمثاله، أو یکون من الأمر الثانی؛ لإمکانه، دون الأوّل لامتناعه، کما فی تقریرات العلاّمة الکاظمیّ رحمه الله أو بالأمر الأوّل؛ لإمکانه، بل یمتنع إفادتها بالأمر الثانی دون الأوّل، کما هو مختارنا؟ فبالجملة هذا الحدیث أجنبیّ عمّا نحن فیه؛ فإنّ البحث هنا حول أنّ عبادیّة العبادة، هل هی بالانبعاث عن الأمر، أم هی أعمّ؟:
فإن قلنا بالأوّل، فالاحتیاط فی العبادات ممنوع رجحانه، ولا سبیل إلیٰ رفع البیان الذی أبدعناه.
وإن کان أعمّ کما هو الحقّ، فالاحتیاط ممکن فیه وفی التوصّلیّات علیٰ نهج واحد. وأمّا أنّها أعمّ فموکول إلی الفقه، ولا یرتبط بالمسألة الاُصولیّة.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 228