الأمر الثالث : فی المراد من أوامر أخبار الاحتیاط
بعدما تبیّن امتناع کون الاحتیاط واجباً نفسیّاً أو مندوباً، فلا فرق بین کون مستنده قاعدة الملازمة ـ مع أنّها باطلة فی ذاتها، محرّرة فی محلّها أو یکون مستنده الإجماع والاتفاق، أو تکون الأخبار الخاصّة الواردة فی المقام، کما
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 229
مضت بتفصیل.
وحیث إنّها تحتمل الاحتمالات الکثیرة، ولکن خرج منها احتمال کون الأمر فیها نفسیّاً، وهکذا احتمال کون الأوامر طریقیّة منجّزة للأحکام الواقعیّة؛ لما عرفت من جریان البراءة وتقدّمها علیها، یبقیٰ من بینها کونها إرشاداً إلیٰ حسن عنوان «الاحتیاط» أو إرشاداً إلیٰ ملاحظة الواقعیّات حتّی الإمکان، وعدم الوقوع فی المهالک، وعدم الابتلاء بالحزازة الروحیّة، أو إرشاداً إلیٰ تبعات الواقعیّات المحرّمة شرعاً وغیر الحرام فعلاً؛ من کدورة القلب، وتهیئته للدخول فی سائر المبغوضات، وتسهیل الأمر علیه.
والإنصاف: أنّ ما هو منشأ الأمر بالتوقّف والاحتیاط أمر غیر مولویّ، ولا طریقیّ، وهو ملاحظة اُمور کثیرة دنیویة واُخرویّة، روحیّة وجسمیّة، ویظهر کلّ ذلک من بعض العلل المذکورة فی نفس الأخبار، کما لا یخفیٰ.
ویمکن دعویٰ: أنّ الأخبار ظاهرة فی وجوب الاحتیاط، وهی علیٰ هذا مورد الإعراض، فلا طریق لنا إلیٰ فهم الرجحان الشرعیّ.
أو دعویٰ: أنّها معارضة بأخبار البراءة، وقد اُمرنا بالأخذ بالأقویٰ والأشهر، فإثبات الرجحان الشرعیّ الإرشادیّ ـ أی أنّ الشرع أیضاً وافق العقل فی هذا الإرشاد مشکل. وکون الإجماع مستنده هذه الأخبار محلّ منع.
اللهمّ إلاّ أن یقال: بالعلم الإجمالیّ بالتواتر المعنویّ، أو الإجمالیّ، فلیتأمّل جیّداً.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 230