المقصد التاسع فی البراءة

أمّا القسم الأوّل

أمّا القسم الأوّل :

‏ ‏

‏فالفرض الرئیسیّ فیه ما لو کان الأمر، دائراً بین التعیین والتخییر من جانب‏‎ ‎‏واحد، کما لو کان صوم شهرین متتابعین واجباً تعییناً، أو یکون طرف وجوب‏‎ ‎‏تخییریّ بینه وبین عتق رقبة، فالحقّ المحض الذی لایمکن الفرار منه: هو أنّ الأمر‏‎ ‎‏یدور مدار المبنیٰ فی الوجوب التخییریّ، فإن قلنا: بأنّ الوجوب التخییریّ یرجع‏‎ ‎‏إلی التعیینیّ، وأنّ الجامع هو الواجب؛ سواء کان جامعاً انتزاعیّاً کعنوان «أحدهما»‏‎ ‎‏أو قریباً ذاتیّاً، أو بعیداً یشار إلیه، فلا محیص عن البراءة؛ لأنّ المسألة تندرج فی‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 245
‏مسألة دوران الأمر بین کون الواجب مطلقاً، أو مقیّداً، ولا شبهة فی جواز رفع القید،‏‎ ‎‏فتجری البراءات الثلاث بالضرورة.‏

‏ومن الغریب ذهاب «الکفایة» و «الدرر»‏‎[1]‎‏ إلی الاحتیاط، مع أنّ مبناهم فی‏‎ ‎‏التخییریّ هو الرجوع إلی التعیینیّ، وأنّ التخییر شرعیّ، وأوامره إرشادیّة‏‎[2]‎‏!!‏

‏وهکذا لو کان الوجوب التخییریّ راجعاً إلی الوجوب المشروط، کما فی‏‎ ‎‏کلام العلاّمة النائینیّ‏‎[3]‎‏، أو إلی الوجوب التعلیقیّ، أو ما یشبه ذلک: من وجوب‏‎ ‎‏الحصّة عند کذا وکذا، کما یستظهر من العلاّمة الأراکیّ ‏‏قدس سره‏‎[4]‎‏ ضرورة أنّه فی صورة‏‎ ‎‏إیجاد الطرف الآخر یمنع عن تنجّز التکلیف فی الطرف الآخر طبعاً.‏

‏نعم، بناءً علیٰ ما ذهب إلیه الاُستاذان العلمان: البروجردیّ‏‎[5]‎‏، والوالد المحقّق‏‎ ‎‏ـ مدّظلّه ‏‎[6]‎‏ فربّما یشکل البراءة؛ نظراً إلیٰ أنّ الخصوصیّة علیٰ کلّ تقدیر متعلّق‏‎ ‎‏الأمر؛ سواء کان الوجوب تعیینیّاً، أو تخییریّاً؛ لأنّه سنخ وجوب لایرجع إلیٰ سائر‏‎ ‎‏الوجوبات المعروفة. ومشکلة الوجوب التخییریّ منحلّة فی محلّه‏‎[7]‎‏.‏

‏وعلیٰ هذا، فی صورة الإتیان بالطرف الآخر، یشکّ فی سقوط أمر المتعلّق‏‎ ‎‏بالطرف الذی هو القدر المتیقّن.‏

وبعبارة اُخریٰ :‏ حجّة المولیٰ فی الصورة المذکور تامّة، فلابدّ من الجواب،‏‎ ‎‏ویشکّ فی کفایة الطرف الآخر جواباً عمّا توجّه إلیه من الخطاب.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 246
وبالجملة :‏ لاقصور من ناحیة الهیئة؛ لأنّها هیئة مطلقة منجّزة، ولا من ناحیة‏‎ ‎‏المادّة؛ لأنّ ذات الخاصّ مورد الأمر، لا الجامع، فلابدّ من الالتزام بالاحتیاط عقلاً،‏‎ ‎‏بل وشرعاً؛ لأنّ الوجوب التخییریّ لایکون مورد الرفع؛ لما لا منّة فیه، وأمّا‏‎ ‎‏الوجوب التعیینیّ فهو لأجل أنّ التعینیّة، ممّا لاتقع تحت الجعل، بل هی أمر یعتبر‏‎ ‎‏وینتزع عن الجعل بلا بدیل وعدیل، فلا یمکن رفع التعینیّة، فاغتنم.‏

أقول :‏ هذا أیضاً ممنوع؛ وذلک لأنّ مجرّد تمامیّة الأمر المتعلّق بالخاصّ،‏‎ ‎‏لایکفی لتمامیّة الحجّة علی الخاصّ؛ ضرورة أنّه فی موارد دوران الأمر بین‏‎ ‎‏الوجوب والندب، یکون الأمر معلوماً، والخصوصیّة معلومة، ولکن لایلزم منه لزوم‏‎ ‎‏الخاصّ بالضرورة، وأنّ فی موارد الوجوب التخییریّ، لایکون إتیان أحدهما،‏‎ ‎‏موجباً لسقوط الأمر المتعلّق بالطرف ومسقطاً له، بل الوجوب التخییریّ معناه‏‎ ‎‏سقوطه بإتیان أحد الأطراف؛ من غیر أن یکون أحد الطرفین مسقطاً للأمر المتعلّق‏‎ ‎‏بالآخر؛ لأنّه اعتبار آخر یجیء فی طی البحوث والتنبیهات الآتیة إن شاء الله ‏‎ ‎‏تعالیٰ‏‎[8]‎‏.‏

فما یقال :‏ «من أنّ إتیان الطرف الآخر، موجب للشکّ فی سقوط الأمر‏‎ ‎‏المتعلّق بذاک الطرف»‏‎[9]‎‏، غیر صحیح.‏

وبالجملة :‏ الحجّة لیست تامّة علی الخاصّ؛ بمعنیٰ أنّ ترکه موجب للقطع‏‎ ‎‏بالاستحقاق والعقوبة، ضرورة أنّ فی ظرف الإتیان بالآخر لایستحقّ احتمالاً،‏‎ ‎‏ولاتتمّ الحجّة علی الخاصّ بالضرورة، فإنّ مدار الاشتغال علیٰ أن یکون فی ترک‏‎ ‎‏الخاصّ، غیر مأمون من استحقاق العقوبة، والعقوبة هنا غیر قائمة علیها الحجّة؛ لأنّ‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 247
‏الحجّة تامّة بالنسبة إلیٰ ترک الکلّ، لا ترک الخاصّ. ولعمری، إنّ البراءة بعد ذلک‏‎ ‎‏واضحة جدّاً.‏

وإن شئت قلت :‏ لایکون التکلیف فی مورد تعلّق الأمر قطعاً، منجّزاً ومستتبعاً‏‎ ‎‏للعقوبة إلاّ عند ترک الآخر، والاحتیاط العقلیّ یستتبع تنجیز التکلیف، ومعنیٰ تنجیز‏‎ ‎‏التکلیف هو استحقاق العقوبة، وهو هنا ممنوع کما مرّ.‏

‏وأمّا توهّم عدم جریان البراءة الشرعیّة‏‎[10]‎‏، فهو لایضرّ، عکس ما قیل فی‏‎ ‎‏الأقل والأکثر‏‎[11]‎‏. وبالجملة لا بأس به.‏

‏مع أنّ الوجوب التعیینیّ ربّما یمکن إفادته بقوله: «أکرم زیداً تعییناً» فی قبال‏‎ ‎‏«أکرم زیداً تخییراً بینه وبین عمرو» فیکون التعیین عنواناً مورد الأمر.‏

‏هذا، وأمّا إذا کان عنوان التعیین ، منتزعاً عن الأمر المتعلّق بشیء؛ وعدم ذکر‏‎ ‎‏العدل له بالسلب المحصّل، فهو وإن لم یکن مورد الأمر وتحت دائرة الجعل، إلاّ أنّه‏‎ ‎‏یکفی لرفعة کونه من تبعات تعلّق الأمر بشیء؛ لما لایعتبر أکثر من ذلک فی الرفع‏‎ ‎‏المثمر، ولا شبهة فی أنّ کیفیّة تعلّق الطلب والإرادة المتعلّقة بالواجب والمندوب‏‎ ‎‏والواجب التخییریّ، مختلفة من حیث التأکید، وهذا یکفی لإجرائه، والأمر ـ بعدما‏‎ ‎‏عرفت ـ سهل.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 248

  • )) کفایة الاُصول : 406، درر الفوائد، المحقّق الحائری: 481.
  • )) کفایة الاُصول : 174 ـ 175، درر الفوائد، المحقّق الحائری: 481.
  • )) اُنظر فرائد الاُصول 1: 233، أجود التقریرات 1: 182 و 185.
  • )) نهایة الأفکار 1: 368 ـ 369 و 391 ـ 392.
  • )) الحاشیة علی کفایة الاُصول ، المحقّق البروجردی 1 : 322 ـ 324 .
  • )) مناهج الوصول 2 : 85 ـ 88 ، أنوار الهدایة 2: 151 ـ 152 و 160 ـ 161.
  • )) تقدّم فی الجزء الرابع : 5 و 6 .
  • )) یأتی فی الصفحة 273 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 3 : 428 ، درر الفوائد ، المحقّق الحائری : 481 .
  • )) أنوار الهدایة 2 : 161.
  • )) کفایة الاُصول : 413 ـ 416.