المقصد التاسع فی البراءة

الأمر الثانی : فی الخروج عن محل النزاع مع وجود ما یعین أحد الطرفین

الأمر الثانی : فی الخروج عن محل النزاع مع وجود ما یعین أحد الطرفین

‏ ‏

‏محلّ النزاع دوران الأمر بین المحذورین، فلو کان هناک أصل یعیّن أحد‏‎ ‎‏الحکمین من الوجوب أو الحرمة، فلا محذور، وهکذا فی صورة احتمال الإباحة،‏‎ ‎‏فإنّه یخرج به عن موضوع المسألة، ولا یبقیٰ وجه حینئذٍ لتوهّم امتناع جعل الإباحة‏‎ ‎‏بعد احتمال الإباحة الواقعیّة، فالمفروض دوران الأمر بین الحرمة والوجوب مثلاً،‏‎ ‎‏ولا ثالث.‏

‏ومن الاُمور المعلومة: أنّه یکون فی مورد لایعقل الموافقة القطعیّة بالنسبة إلی‏‎ ‎‏الواقعة الواحدة، وأمّا إمکان المخالفة القطعیّة فلا یضرّ بما هو مورد البحث.‏

‏ولکن ممّا لا ینبغی اختفاؤه: أنّه فی موارد إمکان المخالفة القطعیّة، تکون‏‎ ‎‏المخالفة بالنسبة إلی النهی المعلوم بالتفصیل، وهو غیر النهی المعلوم بالإجمال.‏

مثلاً:‏ فی موارد العبادات، إذا اُتی بعبادة بلا قربة، أو بعبادة ریائیّة، تکون هی‏‎ ‎‏محرّمة لأجل التشریع، ولأجل حرمة الریاء الذاتیّة المعلومة بالتفصیل، فلا تلزم‏‎ ‎‏المخالفة القطعیّة بالنسبة إلیٰ ما هو المعلوم بالإجمال؛ ضرورة أنّه فی صورة الإتیان‏‎ ‎‏بالعبادة بلا قصد القربة یحتمل الموافقة؛ لأجل کونها محرّمة، فترکُ المنهیّ عنه‏‎ ‎‏بإتیان الفعل بلا قربة، کما لو لم یأتِ به رأساً، فلا تکن من الغافلین.‏

وبالجملة:‏ لا فرق بین التوصّلیات والتعبّدیات؛ لإمکان المخالفة القطعیّة فی‏‎ ‎‏الاُولیٰ أیضاً بإتیان التوصّلی تعبّداً وتدیّناً، فیصیر محرّماً قطعاً تشریعاً.‏

‏وممّا اُشیر إلیه یظهر: أنّ فی موارد دوران الأمر بین المحرّم التشریعیّ‏‎ ‎‏والواجب، یمکن الفرار من المخالفة الاحتمالیّة؛ بإتیان العبادة قربة إلی الله ، ولا‏‎ ‎‏یکون فی قصده التدیّن والتشریع، فإنّه إن کان حراماً فلا یکون آتیاً به؛ لما لم یقصد‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 277
‏التشریع، وإن کان واجباً فقد امتثل.‏

وبالجملة تبیّن:‏ أنّ هذه الموارد تکون خارجة عن محطّ النزاع؛ لأنّ من‏‎ ‎‏شرائطه المقوّمة عدم تمکّن العبد من الفرار عن المخالفة الاحتمالیّة.‏

وبعبارة اُخریٰ:‏ یکون النزاع فی صورة عجزه عن الموافقة القطعیّة، ولأجل‏‎ ‎‏ذلک یشکل دخول العبادات فی محطّ النزاع؛ لأنّ العبادات کلّها تکون حرمتها‏‎ ‎‏تشریعیّة، علیٰ ما یظهر من بعضهم‏‎[1]‎‏.‏

‏نعم، علی القول: بأنّها محرّمة ذاتیّة‏‎[2]‎‏ هی داخلة فی محلّ النزاع، ولعلّ لأجل‏‎ ‎‏هذه النکتة یظهر أنّ الجهة المبحوث عنها هنا کانت أوّلاً فی التوصّلیات، ثمّ بعد ذلک‏‎ ‎‏أدرج فیها المتأخّرون العبادات‏‎[3]‎‏، والأمر سهل.‏

‏ثمّ إنّ محطّ البحث هنا حول اشتباه المکلّف وابتلائه من ناحیة اشتباهه بین‏‎ ‎‏المحذورین، وأمّا مسألة تعارض النصوص، فیأتی تحقیقها فی التعادل والترجیح‏‎[4]‎‏،‏‎ ‎‏ولو کان فی توضیح الأمر بعض الأمثلة ـ کالتمثیل بصلاة الجمعة وصلاة الحائض ‏‎ ‎‏فهو لأجل توجیه الطلاّب إلیٰ ماهو المرام هنا.‏

‏ولعمری، إنّها مسألة قلیلة الجدویٰ، طویلة الذیل، متشتّتة الأطراف، إلاّ أنّ‏‎ ‎‏تشحیذ الأذهان بأمثالها، لازم أحیاناً.‏

‏وممّا یؤیّد أنّ البحث هنا أجنبیّ عن البحث فی مسألة التعادل والترجیح: أنّ‏‎ ‎‏تعرّضهم لصور التزاحم وذی المزایا فی کلام العلاّمة الأراکیّ هنا‏‎[5]‎‏، غیر تامّ جدّاً.‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 278

  • )) التنقیح فی شرح العروة الوثقی 6: 126 ـ 127.
  • )) لاحظ جامع المدارک 1 : 100.
  • )) کفایة الاُصول : 405، نهایة الأفکار 3: 292، مصباح الاُصول 2: 328.
  • )) مع الأسف لم یصل الکتاب إلی بحوث التعادل والترجیح.
  • )) نهایة الأفکار 3 : 292 .