تمهید حول تقریب بدیع لوجوب الاحتیاط
إذا علم إجمالاً بالحکم أو الحجّة فی الشبهات الحکمیّة التحریمیّة، أو الإیجابیّة، وهکذا لو کان یعلم بجنس الالتزام، وتردّد فی فصله، فمقتضیٰ ما تحرّر فی بحوث القطع؛ أنّ هذا العلم علّة تامّة لتمامیّة الحجّة علیٰ وجوب الموافقة القطعیّة، وحرمة المخالفة القطعیّة، وأنّ العقاب هناک لیس بلا بیان، ولا یمتنع صدوره عن المولی الحکیم؛ لأنّه لیس عقاباً جزافاً وبلا جهة عقلاً.
وقد مرّ: أنّ قاعدة قبح العقاب بلا بیان، ترجع إلیٰ قاعدة اُخریٰ أوسع منها: وهی قبح العقاب جزافاً وبلا سبب، وهذا فی موارد العلم الإجمالیّ لیس بلا علّة وسبب، ولا یعدّ جزافاً وقبیحاً، فلا تجری قاعدة البراءة العقلیّة، والعقلائیّة.
وإن شئت قلت: فی موارد الشبهات البدویّة، یصحّ الاعتذار بالجهالة، فإنّ الجهل عذر عند العقلاء فی الشبهات الحکمیّة بعد الفحص وهذا الجهل المقرون بالعلم لیس عذراً، ولا أقلّ من الشکّ فی کونه عذراً عند العرف والعقلاء، فلابدّ من
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 317
الاحتیاط حتّیٰ یأمن من العقاب المحتمل.
فبالجملة: مدّعی أنّ العلم الإجمالیّ لیس له شأن، لابدّ أن یدّعی جریان البراءتین العقلیّة والعقلائیة فی الأطراف وهذا واضح ممنوعیّته عندهم ولا أظنّ التزام أحد بذلک وما نسب إلی العلَمین: الخونساریّ، والقمّی، یرجع إلی الشرعیّة کما یأتی إن شاء الله تعالیٰ.
وتحصّل علی التقریب الثانی: أنّ الجهل عذر فی البدویّات، ولیس عذراً فی صورة اقترانه بالعلم، فلیس العلم شیئاً، ولا علّة لتنجیز الحکم، أو لإیجاب الموافقة القطعیّة، أو حرمة المخالفة القطعیّة، بل الاحتیاط بحکم العقل ودرکه لازم، إلاّ إذا کان له العذر فی صورة التخلّف عن المرام ومطلوب المولیٰ.
وهذا لا یحصل فیما نحن فیه، سواء کان العلم بالحکم، أو بالحجّة، وسواء کان المعلوم جنس التکلیف، أو فصله، وسواء کان المجهول متعلّق التکلیف، أو متعلّق المتعلّق فی الشبهات الحکمیّة علیٰ أصنافها. فإلغاء العلم الإجمالیّ عن المنجّزیة والعلّیة والسببیّة والاقتضاء، ممکن علی التقریب الثانی.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 318