المقام الثانی : حول ما یتعلّق بحدود ترخیص الشرع تصدیقاً فی الشبهات الحکمیّة المقرونة بالعلم الإجمالیّ
وحیث إنّ ذلک ممّا لا ینال إلاّ بالبحث فی کلّ دلیل علیٰ حِدة، فلابدّ من جعل دلیل کلّ من الطرق والأمارات والاُصول مورد النظر إجمالاً، وإحالة الزائد علیه إلیٰ أبوابها.
وغیر خفی: أنّ بحوث أصحابنا الاُصولیّین غیر شاملة الأطراف؛ لذهاب بعضهم إلی البحث عن خصوص الشبهات الموضوعیّة، وإحالة الحکمیّة علیها، وذهاب بعضهم إلی البحث عن حال الاُصول، دون الأمارات، مع أنّ ملاک البحث عامّ یشمل الصورة التی ذکرناها: وهی ما لو علم إجمالاً بوجوب الظهر أو الجمعة، مع قیام خبر زرارة خصوصاً علیٰ عدم وجوب الجمعة، وخبر ابن مسلم علیٰ عدم وجوب الظهر، فإنّه فی حدّ ذاته ممّا لا بأس بهما، إلاّ أنّه کما یمکن البحث عن جریان استصحاب عدم وجوب کلّ واحد، والبراءة عن وجوب کلّ واحد، یمکن البحث فی الصورة المذکورة، فیجوز الأخذ بقولهما مع کون الحکم الواقعیّ فعلیّاً ومعلوماً بالإجمال.
وبالجملة: لا شبهة فی أنّ شرط جریان أدلّة حجّیة کلّ من الطرق والأمارات، حاصل فی موارد العلوم الإجمالیّة؛ لما عرفت من تعانق العلم الإجمالیّ بالشبهة والشکّ بالنسبة إلیٰ کلّ خاصّ؛ وبالنسبة إلیٰ کلّ واحد من الأطراف بعنوانه
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 329
الذاتیّ، وقد مرّ کیفیّة تعلّق العلم الإجمالیّ بالخارج، ومعنی امتزاجه بالجهالة، وحقیقة إجماله بما لا مزید علیه.
فتوهّم قصور أطراف العلم الإجمالیّ عن شمول أدلّة حجّیة الأمارات والاُصول بأصنافها؛ نظراً إلیٰ أنّ العلم الإجمالیّ، کالتفصیلیّ فی عدم إمکان جعل الحجّیة فی مورده، والشکوک المقرونة بالعلم معناها العلم الإجمالیّ، ولا یعقل الترخیص فی مورد العلم بأقسامه، فی غیر محلّه کما لا یخفیٰ؛ لما لا یعتبر أزید من الشکّ إمّا فی المورد، أو فی الموضوع، والکلّ حاصل بالقیاس إلی الخصوصیّة.
نعم، لأحد دعویٰ: أنّ أدلّة الحجّیة، قاصرة عن اعتبار الحجّیة علی الإطلاق بوجه تشمل تلک الموارد، أو منصرفة؛ لأجل احتوائها علیٰ خصوصیّات، فلا ینبغی أیضاً الخلط بین مسألتین: مسألة قابلیّة أطراف العلم الإجمالیّ لجعل الحجّیه؛ من ناحیة أنّ الشکّ مفقود، فإنّه غیر صحیح؛ لموجودیّة الشکّ والجهل، ومسألة تمامیّة أدلّة الحجّیة وإطلاقها وعمومها علیٰ وجه تشمل الأطراف.
ثمّ بعد ما تبیّن هذا الأمر، فلتکن علیٰ خبرویّة من أمر آخر: وهو أنّ مقتضیٰ ما تحرّر منّا أنّه بعد إمکان الترخیص، وبعد قابلیّة الأطراف بحسب الشکّ لجعل الحجّیة، وبعد تمامیّة الأدلّة لشمول الأطراف، یسقط حدیث المعارضة بین الاُصول النافیة، ولازمه جواز المخالفة العملیّة؛ لوجود المؤمّن، وهذا غیر تجویز العصیان کما عرفت.
وهکذا یسقط بحث القرعة، مع أنّه ساقط من رأسه فی هذه المیادین والبحوث، ولا یجوز لأحد التفوّه بذلک، سواء فیه الشبهات الحکمیّة والموضوعیّة.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 330
فبالجملة: الأمر عندنا بعد ما عرفت، یدور بین أمرین: إمّا عدم جریان أدلّة الأمارات والاُصول حول العلوم الإجمالیّة، أو جریانها وصحّة الالتزام بالکلّ من غیر المعارضة؛ لإمکان ذلک ثبوتاً، وجریانها إثباتاً.
إذا عرفت هذه الوجیزة، فدونک صورتی المسألة :
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 331