المقصد العاشر فی الاشتغال

امتیازات بین الشبهات الحکمیّة والموضوعیّة فی العلم الإجمالیّ

امتیازات بین الشبهات الحکمیّة والموضوعیّة فی العلم الإجمالیّ

‏ ‏

‏وقبل الخوض فی أصل البحث وأساس المسألة، لابدّ وأن نشیر إلی امتیازات‏‎ ‎‏بین الشبهات الحکمیّة فی موارد العلم الإجمالیّ، والشبهات الموضوعیّة.‏

الأوّل :‏ أنّ مقتضی التقریبین السابقین، تنجیز العلم الإجمالیّ بإیجاب‏‎ ‎‏الموافقة، وتحریم المخالفة عقلاً، وأنّ حدیث قبح العقاب جزافاً، لا یجری حول‏‎ ‎‏العلم الإجمالیّ، وأنّ معذّریة الجهالة، لیست هی الجهالة المقرونة بالعلم. وقد‏‎ ‎‏عرفت: أنّ مسألة قبح العقاب بلا بیان، من مصادیق قبح العقاب جزافاً؛ وبلا‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 349
‏استحقاق وجهة واقتضاء‏‎[1]‎‏.‏

‏وهنا بیان ثالث فی الشبهات الموضوعیّة، وقد مرّ فی بحوث القطع؛ وأنّه‏‎ ‎‏بمقتضیٰ قیاس الشکل الأوّل تتمّ الحجّة علی العبد، فلابدّ من جوابها، وهو لا یمکن‏‎ ‎‏إلاّ بالاحتیاط.‏

‏وإمکان إجراء قیاس الشکل الأوّل فی الشبهات الحکمیّة فی صورة کون‏‎ ‎‏المشتبه متعلّق المتعلّق، غیر مسدود، إلاّ أنّه یحتاج إلی المؤونة الزائدة، بل وفی‏‎ ‎‏نفس المتعلّق، بخلاف الشبهات الموضوعیّة، فإنّ کلّ إناء من الإناءین قابل للإشارة‏‎ ‎‏إلیٰ «أنّه إمّا خمر، أو ذاک، والخمر حرام، فهذا أو ذاک حرام» والتفصیل فی مبحث‏‎ ‎‏القطع‏‎[2]‎‏.‏

‏وقد ناقشنا فی تمامیّة هذا الشکل فی محیط التشریع؛ للزوم کون المائع‏‎ ‎‏حراماً بعلّیة الخمر، وهو خلف؛ فإنّ مقتضیٰ ما فی الأدلّة أنّ الخمر حرام، أو أنّ‏‎ ‎‏العالم واجب الإکرام، وأمّا قولک: «زید عالم، والعالم واجب الإکرام، فزید واجب‏‎ ‎‏الإکرام» فهو غیر صحیح فی الاعتبار؛ لأنّ زیداً بما هو زید، لیس واجب الإکرام،‏‎ ‎‏وما هو واجب الإکرام ومحرّم الشرب، لیس إلاّ طبیعة العالم والخمر وشربها، وأمّا‏‎ ‎‏الاُمور الاُخر فهی خارجة، فلا یتمّ الشکل الأوّل فی هذا المحیط.‏

‏نعم، لا منع من منع ما فی الخارج؛ للملازمة العقلیّة، فیکون ممنوعاً عقلاً،‏‎ ‎‏وإلاّ فلو تحقّق الخمر فارغاً عن جمیع المقولات حتّی الوجود، تکون حراماً.‏‎ ‎‏فالواجب هو أن یجعل إکرام العالم خارجیّاً، وأن یصیر إکرام العالم خارجیّاً؛ نظراً‏‎ ‎‏إلیٰ أنّه یجب علیه إکرام العالم.‏

فبالجملة:‏ تنجیز العلم الإجمالیّ بالحکم أو الحجّة قطعیّ، واستتباعه للموافقة‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 350
‏القطعیّة والامتناع عن المخالفة القطعیّة، ضروریّ بحکم العقل علی التقریبین، أو‏‎ ‎‏التقاریب الثلاثة.‏

الثانی :‏ الإشکالات العقلیّة فی ترخیص مجموع الأطراف، تجری فیما نحن‏‎ ‎‏فیه بحذافیرها، وتنحلّ بأطرافها بلا زیادة ونقیصة، کإشکال الإذن فی المعصیة، أو‏‎ ‎‏المناقضة، أو عدم وجود «الشکّ» الموضوع لأدلّة الترخیص؛ توهّماً أنّه علم‏‎ ‎‏إجمالیّ، لا شکّ، ویمکن حلّها من ناحیة اُخریٰ فی خصوص الشبهات الموضوعیّة،‏‎ ‎‏کما سیمرّ علیک.‏

الثالث :‏ ما مرّ من الشبهات الثبوتیّة حول الشبهة الحکمیّة‏‎[3]‎‏، یختصّ بها،‏‎ ‎‏ولا یجری فی الشبهات الموضوعیّة؛ ضرورة أنّ لا یلزم من إجراء الاُصول فی‏‎ ‎‏الأطراف، اختصاص الحکم بالعالم، بل یلزم کون الموضوع للواجب والحرام، مقیّداً‏‎ ‎‏بالعلم التفصیلیّ، وهذا ممّا لا بأس به بالضرورة، ولا یلزم الدور طبعاً، ولا لغویّة‏‎ ‎‏الحکم؛ لما یستکشف من أدلّة الترخیص ـ علیٰ فرض جریانها فی المجموع أنّ‏‎ ‎‏موضوع الحکم غیر موجود فی البین؛ فإنّ المجعول علیٰ نعت القضایا الکلّیة القابلة‏‎ ‎‏للتقیید بالأدلّة الخاصّة، موضوع مثلاً.‏

وبالجملة:‏ ربّما ینتهی النظر إلیٰ أن یکون المحرّم بالأدلّة الأوّلیة؛ هی الخمر‏‎ ‎‏المعلومة تفصیلاً؛ لجریان الأدلّة فی المجموع، فإنّ مقتضی الجمع بینها وبین الأدلّة‏‎ ‎‏الأوّلیة، التصرّف فی موضوعها علی الوجه المذکور، فلا یلزم الإشکال باختصاص‏‎ ‎‏الحکم بالعالم.‏

‏مع أنّه لو فرضنا التصرّف المزبور، لا تلزم الشبهات الأوّلیة، کالإذن فی‏‎ ‎‏المعصیة، والمناقضة، وغیر ذلک، مع أنّها مندفعة رأساً بما لا مزید علیه.‏

‏ولأجل ما اُشیر إلیه ینبغی لنا البحث عن الشبهات الموضوعیّة، کما مرّ فی‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 351
‏أوّل المسألة الثانیة الإیماء إلیه.‏

الرابع :‏ قضیّة ما تحرّر عندنا تنجیز العلم الإجمالیّ؛ واستتباعه العقاب‏‎[4]‎‏،‏‎ ‎‏فإن لوحظ تأثیره بالقیاس إلی العقاب، فهو عندنا یعدّ مقتضیاً؛ لإمکان الترخیص فی‏‎ ‎‏مجموع الأطراف.‏

‏وإن لوحظ بالقیاس إلیٰ فعلیّة الحکم ولا فعلیّته، فهو علّة تامّة لإثباتها لما‏‎ ‎‏لایلزم من التصرّف فیها قصور فی فعلیّة الحکم. هذا فی الشبهات الحکمیّة، کما‏‎ ‎‏مرّ‏‎[5]‎‏.‏

‏وأمّا فی الشبهات الموضوعیّة، فیمکن الالتزام بکونه علّة تامّة بالقیاس إلی‏‎ ‎‏العقاب، ولکن بعد ملاحظة أدلّة الاُصول والأمارات، یلزم أحیاناً انقلاب الموضوع،‏‎ ‎‏والالتزامُ بالعلّیة التامّة فی موضوعه، لا ینافی الالتزام بانقلاب موضوعه بالترخیص‏‎ ‎‏فی المجموع، کما لا یخفیٰ. وعلیٰ کلّ تقدیر الأمر سهل، والبحث واضح.‏

وأمّا توهّم:‏ أنّ التصرّف بأدلّة الأمارات والاُصول فی موضوع الأحکام‏‎ ‎‏الواقعیّة، خروج عن الجهة المبحوث عنها؛ لأنّ المفروض أنّ ما هو الحرام هی‏‎ ‎‏الخمر؛ سواء کانت معلومة، أو مشتبهة، وأنّ الواجب هو إکرام العالم؛ سواء کان‏‎ ‎‏معلوماً تفصیلاً، أو إجمالاً، أو مشتبهاً‏‎[6]‎‏، فهو توهّم فاسد؛ لأنّ البحث هنا حول‏‎ ‎‏مرحلة التصدیق، وحول النظر إلیٰ مقایسة الأدلّة الواقعیّة والظاهریّة حسب ما اشتهر‏‎ ‎‏اصطلاحاً، وإلاّ فقد عرفت وجه إنکار الأحکام الظاهریّة کلّها‏‎[7]‎‏.‏

‏فما هو المبحوث عنه هنا: هو أنّه مع قطع النظر عن أدلّة الأمارات والاُصول،‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 352
‏تکون قضیّة الإطلاقات إطلاق الموضوع بالضرورة، وأمّا بالنظر إلی الأدلّة‏‎ ‎‏المذکورة، فهل یلزم تصرف واقعیّ فی الأحکام الواقعیّة، أم مقتضی الأدلّة المذکورة‏‎ ‎‏شیء آخر؛ وهو التصرّف الظاهریّ، أم لا یلزم تصرّف رأساً، أو یکون تفصیل بین‏‎ ‎‏أدلّة الأمارات والاُصول، أو بین الاُصول المحرزة وغیرها؟، وهکذا؟ فلا یختلط‏‎ ‎‏الأمر علیک وعلی القارئین.‏

‏إذا تبیّنت هذه الجهات، فالبحث یتمّ فی طیّ مقامات:‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 353

  • )) تقدّم فی الصفحة 317.
  • )) تقدّم فی الجزء السادس : 176.
  • )) تقدّم فی الصفحة 334 ـ 335.
  • )) تقدّم فی الجزء السادس : 190 ـ 193.
  • )) تقدّم فی الصفحة 322.
  • )) لاحظ مصباح الاُصول 2 : 349.
  • )) تقدّم فی الجزء الثانی : 328 ـ 329، وفی الجزء السادس : 226 ـ 227.