تنبیه : حول استدلال المحقّق العراقی علیٰ منع جریان الأصل النافی للتکلیف
قد استدلّ العلاّمة العراقیّ لمنع جریان الأصل النافی فی الإناء الغربیّ: بأنّ قضیّة القول بعلّیة العلم الإجمالیّ ذلک، دون القول بالاقتضاء، وقد عرفت فساد هذا التفصیل مطلقاً؛ وأنّ العلم الإجمالیّ لیس له شیء إلاّ تنجیز الواقع، والواقع یمکن أن یکون محفوظاً علیٰ فعلیّته؛ ولو کان الأصل النافی جاریاً فی مجموع الأطراف، فضلاً عن الطرف.
فما هو المهمّ قصور الوجوه الثلاثة المذکورة عن تجویز جریان الأصل النافی، وإلاّ فقد عرفت إمکان الانحلال التعبّدی، فلیلاحظ جیّداً.
ثمّ إنّه تشبّث بمثال لمسلکه: وهو أنّ مقتضی العلم الإجمالیّ بنجاسة أحد الإناءین المسبوق أحدهما بالعلم التفصیلیّ بالطهارة، معارضة الاستصحاب فی الإناء الشرقیّ للقاعدة فی الغربیّ، وسقوطهما، وجریان القاعدة فی الإناء الشرقیّ بلا معارض، وهذا ممّا لا یلتزم به أحد، فیعلم منه أنّ العلم الإجمالیّ المنجّز یمنع عن الجریان علی الإطلاق؛ سواء حصلت المعارضة، أم لا.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 391
وفیه: أنّ تقدّم الاستصحاب علی القاعدة فی الإناء الشرقیّ، لا یورث کون المعارضة منحصرة به وبالقاعدة فی الطرف، بل القاعدة فی الطرف تعارض الاستصحاب الحاکم علی مصداق آخر منها، وبعد ذلک یوجد مصداق آخر منها یعارض المصداق من القاعدة فی الإناء الشرقیّ، وهذا هو مقتضی انحلال القاعدة حسب الآثار والموارد علی الأفراد والأزمان، وهذا هو حلّ مشکلته، لا مافی کلام بعض آخر، فلیتدبّر.
ولو قیل: بأنّ مصداقاً من الاستصحاب أیضاً جارٍ فی الطرف الشرقیّ.
قلنا: انحلال القضایا باعتبار الأثر، ولا أثر هنا، ولذلک یمکن دعویٰ: أنّه تجری الاُصول فی الأطراف؛ نظراً إلیٰ أنّ المعارضة والسقوط، لیست من الآثار الموجبة للانحلال. ومجرّد کون الطرف موضوع القاعدة لا یکفی للانحلال؛ لأنّه لابدّ وأن یکون الانحلال عقلائیّاً.
ولو کانت المعارضة کافیة للانحلال، فینحلّ مفاد القاعدة فی الطرف الغربیّ، دون الاستصحاب؛ لسقوطه، ولا یستمرّ الانحلال والسقوط. ولو استمرّ دائماً فلا تصل النوبة إلی القاعدة فی الناحیة الشرقیّة، فلیلاحظ جیّداً.
ومن الغریب مافی کلام العلاّمة النائینیّ: من توهّم حصر حکومة الاستصحاب علی القاعدة فی صورة الشکّ السببیّ والمسبّبی!! مع أنّ حکومة السببیّ علی المسبّبی مطلقاً ممنوعة، بل غیر معقولة فی الموارد الجزئیّة، والتفصیل فی محلّه.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 392
فعلیٰ هذا، لا تجری القاعدة فی الإناء الشرقیّ مادام الاستصحاب موجوداً، فلا یلزم التعبّد بالطهارتین فی مورد واحد عرضاً، ولا معارضة القاعدة فی الغربیّ لهما عَرَضاً.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 393