التنبیه السادس حول صور تنجیز العلم الإجمالی فی المسائل المالیة
فی موارد العلم الإجمالیّ بالمسائل الراجعة إلی الاُمور المالیّة ـ کالخمس، والزکاة، والدیون، والضمانات ـ خلاف فی المتباینین، کما هو مفروض البحث؛ وأنّه هل العلم ینجّز، أم لا؟
ومن الغریب عدم تعرّضهم لهذه المسألة الکثیر جدواها فی تنبیهات الاشتغال!! إلاّ أنّه یستفاد اختلاف آرائهم فی الفقه، فذهب الفقیه الیزدیّ رحمه اللهفی ختام
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 411
مسائل الزکاة إلی الاحتیاط، وهکذا یظهر منه تعیّنه فی الخمس فی مسائل المختلط بالحرام، وتبعه جمع.
وخالفه بعضهم برجوعه إلی القرعة فیها، دون الاحتیاط.
وصرّح بعضهم بـ «أنّ تنجیز العلم الإجمالیّ فی المقام، محلّ تأمّل وإشکال».
وإرجاع بعض صور المسألة إلی الأقلّ والأکثر، خروج عمّا هو مورد النظر فی المقام؛ لاختصاص البحث بدوران الأمر بین المتباینین.
وعلیٰ هذا تتصوّر هنا صور نشیر إلیها؛ کی ینتفع بها الباحثون :
الصورة الاُولیٰ :
أن یکون العلم بالحرمة دائراً بین العینین الشخصیّتین الخارجیّتین غیر المستولی علیهما المکلّف، فلا تکون له الید علیهما، إلاّ أنّه یعلم بأنّ إحداهما له، والاُخریٰ لأجنبیّ، کما إذا علم بأنّ هذه الشاة له، أو تلک الشجرة، وحیث لا یدله علیهما بالفعل، ولا سبقت یده، یکون مقتضی العلم الإجمالیّ هو الاحتیاط، فلا یجوز له التصرّف فیها، ولا یکون مکلّفاً بالردّ؛ لکونهما خارجتین عن استیلائه.
ولأحد دعویٰ: أنّه لیس العلم منجّزاً؛ لکفایة الشبهة فی هذه الصورة فی
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 412
التنجیز، لکونها من الشبهات المهتمّ بها.
ویمکن أن یقال: بأنّ التصرّف الذی هو الممنوع فی الشبهة المهتمّ بها، هو التصرّف المفنی والمعدم، دون الیسیر؛ فإنّه ممّا لا یهتمّ به، ولذا جوّز الشرع ذلک فی مثل أخذ اللقطة، فعلیه تستند حرمة هذا النحو من التصرّف إلی العلم الإجمالیّ، مع إمکان استناد التنجیز علی الإطلاق إلی الشبهة وإلی العلم، کما یأتی تحقیقه؛ ضرورة أنّ التنجیز لیس من المسبّب المتولّد من الشبهة أو العلم، بل التنجّز معناه إدراک العقل استحقاق العقوبة، مع فقد الحجّة فی قباله، وهذا کما یمکن أن یکون من الشبهة، یجوز أن یکون من قِبَل العلم الموجود، والتفصیل فی الآتی إن شاء الله تعالیٰ؛ أی یصلح کلّ واحد من الجهتین لإدراک العقل ذلک بالقیاس إلیهما.
فما قیل: من أنّ تنجیز العلم الإجمالیّ هنا محلّ تأمّل، فی غیر محلّه فی هذه الصورة علیٰ بعض الوجوه والاعتبارات. هذا علیٰ مسلک القوم.
وأمّا علیٰ مسلکنا، فقد مرّ إمکان الترخیص علی الإطلاق حسب الصناعة المحضة.
الصورة الثانیة :
إذا کانت العینان تحت الید، ویعلم إجمالاً بأنّ إحداهما الشخصیّة لأجنبیّ، فمرجعیّة قاعدة الید ساقطة، ولو کان العلم الإجمالیّ منجّزاً، یلزم حرمة التصرّف علی الإطلاق، ویجب التخلیة بینها وبین مالکها إذا عرفه؛ لوجوبها. بل لو کانت مغصوبة وهو غاصبها، یجب الردّ ولو لم یطالب بها.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 413
وهذا هو الظاهر من فتوی القوم فیما لو علم: بأنّ علیه خمس العین المعیّنة، أو زکاة عین زکویّة، مع أنّ فی هذا الفرض ـ لمکان تجویز الردّ إلی الحاکم ـ یمکن التقویم.
ولو ردّهما إلی الحاکم أو إلی المالک فی الفرض الأوّل، یلزم إشکال یستتبع عدم إمکان الاحتیاط؛ وهو أنّه لا یرضیٰ بالتصرّف فیما هو ماله، فلا یجوز للطرف أخذهما معاً، ولو أخذهما یجب ـ حسب العلم الإجمالیّ ـ الردّ، فیعلم منه سقوط العلم الإجمالیّ عن التأثیر؛ لعدم قابلیّة المورد، فالقول بسقوط العلم الإجمالیّ عن التنجیز هنا، غیر بعید.
مع أنّه یمکن دعویٰ: أنّ التنجّز یستند إلی الشبهة ذاتاً؛ لکونها من الشبهات المهتمّ بها.
فعند ذلک لابدّ من حلّ المشکلة بأحد الوجوه الاُخر المحرّرة فی الفقه وغیر المربوطة بمسائل العلم الإجمالیّ: من وجوب المصالحة، أو القرعة، أو مجهول المال، أو المختلط بالحرام حکماً، لا موضوعاً، أو غیر ذلک. ومنه وجوب الرضا باستهلاک الطرف؛ نظراً إلیٰ إمکان الاحتیاط.
ولیس هنا مصبّ قاعدة «لا ضرر ...» لأنّه مستند إلیٰ درک العقل، دون حکم الشرع، فعلیه ردّها إلیٰ مالکها فی صورة معرفته إیّاه، ورضاه بتصرّفه، فلا یلزم المحذور.
اللهمّ إلاّ أن یقال أوّلاً: إنّ الضرر یجیء من إطلاق الدلیل.
وثانیاً: إنّ الواجب هو التخلیة بین المال ومالکه بعدم المنع، فإن یعرف ماله فهو، وإلاّ فلا شیء علیه.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 414
وربّما یقال : إنّ المنفیّ بالقاعدة هـو الموضوع الضرریّ، وهو المجموع، ولیس له فی الشرع حکم، کما یقال: «إنّ ما حکم به العقل حکم به الشرع» فالمجموع غیر واجب ردّه شرعاً، وتصیر النتیجة حرمة المخالفة القطعیّة وإن لم تجب الموافقة القطعیّة.
وأمّا دعوی الملازمة بین الحرمة والوجوب، فهی مطلقاً ممنوعة کما مرّ. مع أنّ هنا لیس محلّها؛ لأنّ التنجّز مستند إلی الشبهة البدویّة. وأنت خبیر بفساد جمیع هذه الاُمور.
نعم، إنّ إطلاق الدلیل لو کان مقتضیاً للوجوب هنا، ومستلزماً للضرر، یمکن منعه بالمقدار الخاصّ، إلاّ أنّ لزوم الرضا بالتصرّف ممنوع؛ لأنّ ماهو الواجب لیس إلاّ التخلیة حتّیٰ فی الغاصب، أو تحمّل ضرر الحمل إلیٰ مکان الغصب، وإعلام المالک، اللهمّ إلاّ إذا حصل الخلط من قبل الغاصب عمداً. بل ولو کان عن غیر عمد؛ لأنّه «یؤخذ بأشقّ الأحوال» وتصیر النتیجة التفصیل بین الفرضین، والمسألة حسب القواعد مشکلة، وتصل النوبة إلی القرعة عندنا، فتدبّر.
وممّا لا ینبغی أن یختفی: أنّ فی بعض الموارد یمکن أن تستند حرمة المخالفة إلیٰ ما لایستند إلیه وجوب الموافقة، مثلاً فی المثال المذکور فی هذه الصورة، یمکن دعوی استناد حرمة المخالفة إلی الشبهة البدویّة؛ لکونها من الاُمور المهتمّ بها، فلا تستند إلی العلم الإجمالیّ بأنّ إحدی العینین للغیر، ولکن وجوب التخلیة والردّ إلی المالک، یستند إلی العلم الإجمالیّ الموجود فی البین.
وبعبارة اُخریٰ: إنّ حرمة المخالفة القطعیّة والاحتمالیّة، مستندة إلی الشبهة،
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 415
ولازم حرمة المخالفة الاحتمالیّة وجوب الموافقة القطعیّة، فلا یجوز التصرّف فی کلّ واحدة منهما، فالوجوب یرجع إلیٰ حرمة المخالفة الاحتمالیّة عقلاً، إلاّ أنّ هناک حکمین، أحدهما: التصرّف، والآخر: هو الردّ إلی المالک.
فلا یلزم أن یکون الحکم الواحد منجّزاً بالنسبة إلی المخالفة الاحتمالیّة؛ من ناحیة العلم الإجمالیّ، ومنجّزاً بالنسبة إلی الموافقة القطعیّة فی الشبهة، بل الشبهة فی المقام تقتضی الحرمة والوجوب، والعلم الإجمالیّ یقتضیهما بالنسبة إلی الحکم الآخر: وهو الردّ إلی المالک، فلا یتصوّر ثبوتاً بالنسبة إلی الحکم الواحد، أن تکون الحرمة مستندة إلیٰ شیء، والوجوب إلی شیء آخر.
وأمّا التصرّف لأجل الردّ إلی المالک فی صورة إرادة ردّ إحداهما إلیه دون الاُخریٰ، فهو ولو کان جائزاً، ولکن وجوب الردّ مستند إلی العلم الإجمالیّ، ولا تحرم المخالفة الاحتمالیّة فی هذه الصورة؛ فإنّه لا سبیل علی المحسنین، فتأمّل.
بقی إشکال:
إنّ العلم الإجمالیّ إذا کان یمنع عن جریان قاعدة الید، فلا یستند التنجّز إلی الشبهة؛ لأنّ الشبهة البدویّة فی هذه الصورة، محکومة بالعدم حسب استیلائه علیها، فلو کان فی البین شبهة بدویّة فلا أثر لها؛ لقاعدة الید ولو کانت الشبهة مقرونة فلا أثر للعلم؛ للمعارضة.
وتصیر النتیجة عدم وجود المنجّز؛ للزوم الخلف، لأنّه یلزم من سقوط الیدین کون الشبهة بدویّة، وتصیر مجری القاعدة، وإذا لم تکن الشبهة بدویّة تقع المعارضة ولو کان العلم غیر موجب للتعارض تجری القاعدة فی الطرفین، وهو خلاف العلم عند القوم، فالمشکلة هنا عقلیّة قطعاً.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 416
وتندفع: بأنّ العلم موجود تکویناً، ومانع عن جریان القاعدة، ولا منع من کون التنجّز مستنداً إلی الشبهة بذاتها؛ مع قطع النظر عن العلم الموجود المانع عن جریانها، ولا یعتبر کون منشأ التنجّز مع منشأ المعارضة واحداً. وهذا أمر جدید فی مسائل العلم الإجمالیّ.
وبعبارة اُخریٰ: إنّ المشکلة تندفع بأنّ التنجّز مستند إلی الشبهة بما هی هی، ولا تجری القاعدة؛ للمعارضة.
وغیر خفیّ: أنّ فی هذه المسألة یکون الحکم الواقعیّ الثابت بالأدلّة الأوّلیة، أهمّ من الحکم الظاهریّ الثابت بالأدلّة المرخّصة الموجبة للتأمین والتعذیر، ولذلک تقدّم مصلحة الواقع علیٰ مصلحة التسهیل، ولا تجری مقدّمات الترخیص الاختیاریّ، ولا القول بالترخیص فی مجموع الأطراف، بل ولا فی الشبهة البدویّة إلاّ بالنسبة إلی التصرّف الیسیر غیر المتلِف، فلیلاحظ جیّداً.
فکلّ من الشبهة البدویّة والعلم الإجمالیّ ، منجّز بالنسبة إلی التصرّف الکثیر، والکلّ غیر منجّز بالنسبة إلی التصرّف الیسیر، فاغتنم.
الصورة الثالثة :
إذا کانت إحدی العینین تحت الید، وکان یعلم إجمالاً: أنّ إحداهما للأجنبیّ، فعلیٰ ما سلکه القوم من جریان الأصل المثبت والنافی معاً، تنحلّ المشکلة، ولا کلام. بل ولو کان الطرف الخارج من تحت الید غیر مجری للاستصحاب؛ لکفایة کونه من الشبهة البدویّة المهتمّ بها.
وربّما یقال: إنّ لازم قاعدة الید کون الاُخریٰ للأجنبیّ؛ حسب الدلالة الالتزامیّة، وهی حجّة، فإذا علم إجمالاً: بأنّ إحداهما له، والاُخریٰ للأجنبیّ،
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 417
فمقتضی الدلالة المطابقیّة أنّ ماهو تحت استیلاؤه له، وما هو الخارج للغیر، فلا شبهة حتّیٰ تصل النوبة إلیٰ حکم العقل، أو الاستصحاب ـ لو کان یجری ـ نظراً إلیٰ أنّه لم یکن له فی زمان، ویشکّ فی أنّه انتقل إلیه بسبب أم لا، فاستصحاب نفی السبب یکفی لعدم جواز التصرّف، فتأمّل.
وفیه: أنّ الدلالة الالتزامیّة منتفیة؛ سواء کانت القضیّة المعلومة بالإجمال من المنفصلة الحقیقیّة، أو مانعة الخلوّ؛ ضرورة أنّه علی الوجه الأوّل، لا یبقیٰ مورد للدلالة الالتزامیّة بعد کون مفاد الأمارة إلغاءَ احتمال الخلاف، ویتمّ الکشف، وتصیر النتیجة مثل ما إذا علم واقعاً: بأنّ ما تحت الید له. وفی حکمه ما لو کان مفاد الأمارة هو التعبّد بأنّه العلم سبباً، أو أنّ مؤدّاه المعلوم مسبّباً.
وعلی الوجه الثانی مطلقاً وهکذا علیٰ ماهو الحقّ فی باب حجّیة الأمارات ـ من أنّها مجرّد التنجیز والتعذیر العقلائیّ الإمضائیّ، أو بحکم الممضیٰ ـ لا یعقل الدلالة؛ لاحتمال کون الخارج أیضاً له ثبوتاً، ولا معنیٰ حینئذٍ للدلالة الالتزامیّة؛ لعدم اللزوم العقلیّ، ولا العقلائیّ والعادیّ. وقد مرّ أن قیام الأمارة غیر الید حتّیٰ مثل البیّنة، أیضاً لا تفی لإفادة الدلالة الالتزامیّة؛ لأنّ البیّنة أجنبیّة عن الطرف، ومجرّد القیام علیٰ أنّ هذه المعیّنة مثلاً لزید، لا یستلزم کون الاُخریٰ لعمرو؛ لأنّ اللزوم منفیّ ومغفول عنه، فلا تغفل.
تذنیب : فی هذه الصورة إذا کان یعلم إجمالاً: بأنّ ما فی تحت یده لزید، أو ما فی تحت ید عمرو له، فإنّه مع قطع النظر عن التصرّف فیما تحت ید عمرو، لا إشکال کما عرفت.
وأمّا التصرّف فیما تحت استیلاء عمرو، فهو ـ علیٰ ما علیه بناء المحقّقین
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 418
مشکل؛ للعلم الإجمالیّ بحرمة التصرّف فی إحدی العینین.
وأمّا دعوی العلم الإجمالیّ بحرمة التصرّف المذکورة علی الإطلاق، فیلزم الاحتیاط؛ لأنّ المفروض عدم خروجه عن محلّ الابتلاء، فهی غیر تامّة؛ لأنّ حرمة التصرّف فی العین الخارجة عن استیلائه ـ مع أنّها تحت استیلاء عمرو ـ معلومة بالتفصیل، وجائزة عند الإذن، فلا یلزم العلم بالتکلیف الفعلیّ، بل هو مشروط.
نعم، فی صورة إذنه فی التصرّف بل وفی صورة العلم بأنّه یأذن فی التصرّف، یشکل لأنّه یعلم إجمالاً: بأنّ إحدی العینین لشخص ثالث، ویعلم بالتکلیف الفعلیّ الإجمالیّ، فإن قلنا: بأنّ العلم الإجمالیّ لا یکون منجّزاً فی المسائل المالیّة، فلازمه جواز التصرّف؛ لقاعدة الید الجاریة فی کلّ واحدة منهما.
وإن قلنا: بأنّه ینجّز یلزم المعارضة، ویستند التنجّز إلی العلم، أو إلیٰ ذات الشبهة بعد سقوط الیدین، أو إلیهما.
وبالجملة: تصیر النتیجة ممنوعیّة تصرّفه فیما تحت یده من الدار مثلاً بعد إذن عمرو بتصرّفه فی داره، فبمجرّد استدعاء عمرو منه التصرّفَ فی داره، تلزم ممنوعیّته عن الدارین، وقبل ذلک کان ممنوعاً من دار عمرو دون داره، وهذه عویصة جدّاً.
وتجوز دعویٰ: أنّ التصرّف محرّم علیٰ نحو التحریم التعلیقیّ، دون المشروط؛ لأنّ الأصل فیما دار الأمر بین المشروط والمعلّق هو الثانی، إلاّ إذا قامت القرینة علی الأوّل، کما تحرّر فی المجلّد الأوّل، وظاهر الأدلّة فی هذه المسألة هو التعلیق، فالحرمة فعلیّة مردّدة بین المنجّزة والمعلّقة، ولازمه ممنوعیّة التصرّف
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 419
علیٰ مسلکهم، ویلزم عندئذٍ الرجوع إلی القرعة حتّیٰ تنحلّ المشکلة، ویعلم أنّ ماتحت استیلائه أو استیلاء عمرو لزید کی یردّ إلیه، فلیتأمّل.
ومن هنا یتبیّن وجه ممنوعیّة التصرّفات الاعتباریّة بین العینین بیعاً وصلحاً، أو هبة معوّضة؛ بناءً علیٰ جوازها.
الصورة الرابعة :
فی حکم موارد الشکّ الاستصحابیّ فی تلک الصور الثلاث، مثلاً لو کانتا تحت یده، وکان یعلم بأنّهما کانتا تحت ید زید، ویعلم إجمالاً بأنّ إحداهما له، فإنّ الاستصحابین یتعارضان، وهکذا الیدان، أو لا یجریان، وعلیٰ کلّ لا کلام جدید فی هذه الصورة. وهناک بعض صور لا یهمّنا التعرّض لها.
وغیر خفیّ: أنّه یجوز تراکم المنجّزات الثلاثة: الشبهة، والعلم الإجمالیّ، والاستصحاب مثلاً، فی بعض الموارد غیر المذکورة من الصور الثلاث، فإنّه تکون الشبهة موجبة لتنجّز التکلیف؛ لکونه من الموارد المهتمّ بها، والعلم الإجمالیّ بأنّ إحدی العینین لزید، یوجب ذلک، والعلم بأنّ إحداهما کانت لزید یقضیه، وحیث قد عرفت ویأتی تحقیقه أنّ التنجّز لیس من الاُمور التکوینیّة غیر القابلة للاستناد إلی العلل الثلاث إلاّ بالجامع الموجود بینها، أو إلی واحد منها، لا بأس بذلک التراکم، فاغتنم.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 420
الصورة الخامسة :
فی موارد العلم الإجمالیّ باشتغال الذمّة؛ علیٰ وجه لا یرجع إلی الأقلّ والأکثر، کما إذا علم إجمالاً: بأنّه إمّا ذمّته مشغولة لزید أو لعمرو بدینار، فهل یجب الاحتیاط والعمل بالعلم الإجمالیّ؟
ومثله العلم الإجمالیّ باشتغال ذمّته بأحدهما علیٰ وجه الشکّ الاستصحابیّ، فإنّه یستصحب ذلک، وحیث لا یعلم المعیّن، یعلم بقیام الحجّة علی الاشتغال المذکور.
وغیر خفیّ: أنّ فی الفرض الأوّل مقتضی القاعدة هی الاحتیاط، فیکون العلم الإجمالیّ منشأ التنجّز، فما فی کلام بعض محشّی «العروة» فی کتاب الخمس من إنکار تنجیز العلم الإجمالیّ، إن کان یرجع إلیٰ أنّ التنجّز یستند إلی الشبهة ذاتها من غیر دخالة اقترانها بالعلم، غیر وجیه.
وتوهّم: أنّ العمل بالوظیفة یوجب الضرر المنفی، غیر تامّ کما اُشیر إلیه، إلاّ علیٰ بعض الوجوه المحرّرة فی محلّها، فالاحتیاط یقتضی ردّ الدینارین، أو الإیصاء بهما لهما.
نعم، لا یجب الردّ إلاّ بعد الطلب، فلو کان کلّ واحد منهما یعتقد الطلب، وهو یعلم إجمالاً ببطلان طلب أحدهما، فیعلم بصحّة الآخر واشتغال ذمّته ووجوب
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 421
الجواب، فلازمه الاحتیاط، وحیث لا یلزم من ردّ الدینارین إلیهما ابتلاؤهما بتکلیف؛ لأنّ کلّ واحد منهما یعلم طلبهما، فلا یلزم إشکال إلاّ الضرر والحرج.
نعم، فی موارد عدم علمهما بالطلب فإنّ الاحتیاط مشکل؛ لأنّه لا یردّ إلی کلّ واحد منهما إلاّ دیناراً بعنوان الدین، وإذا کان هو مشکوکاً یمنع تصرّفهما فیه؛ لأنّه من الشبهة المنجّزة اللازم احتیاط کلّ منهما فیها، فالمسألة تردّ إلیٰ حاکم الشرع، أو القرعة عندنا.
ویمکن دعویٰ وجوب رضا العالم بالعلم الإجمالیّ بتصرّف کلّ منهما فی الدینار؛ لأجل إمکان إفراغ ذمّته فی هذه الصورة، ضرورة أنّه إذا رضی بتصرّفهما فیهما؛ سواء کانا دائنین، أم لم یکونا، لا یلزم إشکال حتّیٰ یرجع إلی القرعة.
کما یمکن دعوی جریان قاعدة الید فی حقّهما بعد أخذهما؛ ولو کان الأخذ محرّماً علیهما، ومنجّزاً التسلیم علی المدیون؛ لأنّ التنجّز قبل الاستیلاء، لا ینافی ارتفاعه بعد الاستیلاء، کما لا یخفیٰ.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 7)صفحه 422