وهم ودفع : حول بطلان البحث لخروج المسبب عن الاختیار
ربّما یخطر بالبال أن یقال: إنّ هذه المسألة والنزاع غیر صحیح، ومن الغلط عقلاً؛ وذلک لأنّ المسبّب والمحصّل ممّا لا یمکن أن یتعلّق به الأمر؛ لخروجه عن
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 61
حدّ الاختیار والاقتدار، کما ذهب العلاّمة الخراسانیّ والنائینیّ رحمهماالله فی الأسباب التولیدیّة إلیٰ أنّ المأمور به هو السبب، والمنهیّ عنه فی الأسباب التولیدیّة هو السبب، أو یکون مورد النهی المتعلّق بالمسبّب، ولذلک قال بحرمة السبب التولیدیّ فی مقدّمة الحرام.
وبالجملة: ذهب جمع من الفقهاء إلی امتناع تکلیف الکفّار بالعبادات؛ لامتناع حصول القربة، وإلیٰ عدم صحّة النذر دون الیمین؛ لاعتبار القربة فی الأوّل دون الثانی، وما ذلک إلاّ للامتناع المشار إلیه.
ویکفیک دفعاً: أنّ التصرّف فی ظواهر الأدلّة المقتضیة لوجوب المسبّب، غیر جائز إلاّ فی صورة اقتضاء العقل، وهو لا یدرک؛ لاختیاریّة المسبّب بعد کون السبب اختیاریّاً، والاقتدار علی السبب یکفی لمقدوریة المحصَّل.
فالطهور والتملّک بالمعنی الحاصل المصدریّ والمسبّبی، والقتل، واحتراق الکتب الضالّة، وانکسار آلات اللهو واللعب والقمار، وإن کان غیر مقدور، إلاّ أنّه یکفی لحفظ ظواهر الأدلّة اختیاریّة السبب حتّیٰ فی الأسباب التولیدیّة؛ ضرورة أنّ الحرکة المتولّدة بما أنّها صادرة عن الید، موضوع لانتزاع عنوان، وبما أنّها قائمة بالمفتاح موضوع لانتزاع العنوان الآخر، فالوجود ولو کان واحداً، إلاّ أنّ هناک إضافتین، والتحلیل العقلیّ یکفی لوجوب التحفّظ علیٰ ظواهر الأدلّة، وعدم سرایة النهی إلی السبب الصادر عنه الحرکة، وهکذا عدم تقیّد المحرّم المسبّبی بالسبب، بل المحرّم منحصر بالمسبّب بما هو هو.
ولأجله ذهب المشهور إلیٰ جواز تکلیف الکفّار وعدم حرمة مقدّمة الحرام
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 62
وأنّ نیّة الحرام کانت محرّمة فی الاُمم السالفة، دون الاُمّة المرحومة.
مع أنّ النیّة تقارن أحیاناً الإرادة التی هی الجزء الأخیر للعلّة التامة؛ حسبما تحرّر منّا بوجه لا یتوجّه إلیه إشکال السیّد الاُستاذ المحقّق الوالد ـ مدّظلّه ولو کان المحرّم والواجب ما هو مورد الاختیار والاقتدار بلا وسط مثلاً، للزم انحصارهما فی الإرادة؛ ضرورة أنّ کلّ فعل مسبّب ومتولّد عن الإرادة ومحصّل عنها، وإن لم یعدّ من الأسباب التولیدیّة الاصطلاحیّة.
فعلیٰ ما تحصّل: جمیع أقسام المسبّبات واردة فی محطّ النزاع، تولیدیّة کانت، أو غیر تولیدیّة، وما یظهر من القوم من اختصاص غیر الأسباب التولیدیّة بالبحث فی المقام، فی غیر محلّه، فاغتنم.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 63