تحقیق وتوضیح : فی انحصار السبب بالعقلی
تقسیم السبب إلی العقلیّ، والعقلائیّ، والشرعیّ، أو إلی الأربعة ـ نظراً إلیٰ أنّ المسبّب لیس موجوداً فی الخارج، کالإحراق بالنسبة إلی الإلقاء فی النار حسبما عرفت ـ ممّا لا یرجع إلی المحصّل، بل السبب واحد وهو عقلیّ، إلاّ أنّه تارة: یکون عقلیاً ناشئاً من رعایة کون الشیء ممرّاً للوجود والفیض، کالإرادة بالنسبة إلی الحرکة، أو سبباً لهدم الوجود، کما أنّ إطلاق البندقة والذبح سبب لهدم النظام الدخیل فی الحیاة، وإیجاد النار والإحراق سبب لهدم الوحدة الاتصالیّة المساوقة للوجود، فلا یکون الذبح والإحراق سبباً لمسبّب خارجیّ موجود عقیبه، بل ولا ممرّاً للفیض، بل هو سبب لاختلال ما به الوجود والحیاة الدنیویّة والاتصال الطبیعیّ.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 63
واُخریٰ: یکشف الشرع عن السببیّة، کما فی الطهارات مثلاً، ولذلک قالوا: «إنّ الواجبات الشرعیّة ألطاف فی الواجبات العقلیّة» فعدّ الحرکات والغسلات أسباباً شرعیّة غلط، إلاّ علیٰ وجه یأتی فی الأسباب والمسبّبات العقلائیّة الراجعة إلی العقلیّة بوجه آخر.
ولعمری، إنّ ما هو السبب ومفیض الوجود بتسامح، هی الغسلات والمسحات بالنسبة إلی الآثار المفیضة والنورانیّة القلبیة، بخلاف مثل الإحراق والذبح.
وثالثة: تکون السببیّة والمسبّبیة اعتباریّة، والاعتباریّات فی جمیع الجوانب اعتبار الطبیعیّات والتکوینیّات. فإذا کانت المعاملات عند العقلاء سبباً فالسببیّة عقلیّة؛ لترتّب المسبّب علیها بلا حالة انتظاریّة، ولکن لیس هناک ممرّ الفیض وموجد الوجود الطبیعیّ أو الإلهیّ، بل هناک اعتبار وجود عقب وجود، فکما أنّ أصل السبب اعتبار، وأصل المسبّب اعتبار، أصل التسبّب والصدور والممرّیّة اعتبار. والبحث عن کفایة أحد الاعتبارات عن الآخر وعدمها، أجنبیّ عن هذه المسألة، فدخول العلاّمة النائینیّ رحمه الله و«التهذیب» فی هذه الجهة خروج عن الجهة المبحوث عنها، کما لا یخفیٰ.
ومن هنا یظهر: أنّ الإشباع السببیّ مع أنّه لیس إلاّ سبباً بالمعنی المحرّر فی الإحراق والذبح، لیس أمراً وراء السببیّة العقلیّة.
کما یظهر: أنّ الطهور ولو کان اعتباراً کالملکیّة وراء الغسلات، ولکن
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 64
المفروض هنا اعتبار السببیّة الطبیعیّة؛ بمعنیٰ أنّ هنا وجوداً مسبّباً عن وجود بلا حالة انتظاریّة، وهذا معنی السببیّة الشرعیّة والعقلائیّة.
وأمّا أنّ الغسلات والمعاملات أسباب واقعاً فی الاعتبار، أو موضوعات لاعتبار وأحکام وتعبّدات، فهو موکول إلی الفقه، وخارج عن مسألة البراءة والاشتغال فی باب الأسباب والمحصّلات، فما تریٰ فی کلام العلاّمة الأراکیّ و«التهذیب» من الغور فی استظهار المسألة الفقهیّة هنا، فهو لعدم الوصول إلیٰ مغزی المرام فی المقام الذی زلّت فیه الأقدام.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 65