المسألة الثالثة فی الأقلّ والأکثر

تحقیق وتوضیح : فی انحصار السبب بالعقلی

تحقیق وتوضیح : فی انحصار السبب بالعقلی

‏ ‏

‏تقسیم السبب إلی العقلیّ، والعقلائیّ، والشرعیّ، أو إلی الأربعة ـ نظراً إلیٰ أنّ‏‎ ‎‏المسبّب لیس موجوداً فی الخارج، کالإحراق بالنسبة إلی الإلقاء فی النار حسبما‏‎ ‎‏عرفت ـ ممّا لا یرجع إلی المحصّل، بل السبب واحد وهو عقلیّ، إلاّ أنّه تارة: یکون‏‎ ‎‏عقلیاً ناشئاً من رعایة کون الشیء ممرّاً للوجود والفیض، کالإرادة بالنسبة إلی‏‎ ‎‏الحرکة، أو سبباً لهدم الوجود، کما أنّ إطلاق البندقة والذبح سبب لهدم النظام‏‎ ‎‏الدخیل فی الحیاة، وإیجاد النار والإحراق سبب لهدم الوحدة الاتصالیّة المساوقة‏‎ ‎‏للوجود، فلا یکون الذبح والإحراق سبباً لمسبّب خارجیّ موجود عقیبه، بل‏‎ ‎‏ولا ممرّاً للفیض، بل هو سبب لاختلال ما به الوجود والحیاة الدنیویّة والاتصال‏‎ ‎‏الطبیعیّ.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 63
واُخریٰ:‏ یکشف الشرع عن السببیّة، کما فی الطهارات مثلاً، ولذلک قالوا: «إنّ‏‎ ‎‏الواجبات الشرعیّة ألطاف فی الواجبات العقلیّة»‏‎[1]‎‏ فعدّ الحرکات والغسلات أسباباً‏‎ ‎‏شرعیّة غلط، إلاّ علیٰ وجه یأتی فی الأسباب والمسبّبات العقلائیّة الراجعة إلی‏‎ ‎‏العقلیّة بوجه آخر.‏

‏ولعمری، إنّ ما هو السبب ومفیض الوجود بتسامح، هی الغسلات‏‎ ‎‏والمسحات بالنسبة إلی الآثار المفیضة والنورانیّة القلبیة، بخلاف مثل الإحراق‏‎ ‎‏والذبح.‏

وثالثة:‏ تکون السببیّة والمسبّبیة اعتباریّة، والاعتباریّات فی جمیع الجوانب‏‎ ‎‏اعتبار الطبیعیّات والتکوینیّات. فإذا کانت المعاملات عند العقلاء سبباً فالسببیّة‏‎ ‎‏عقلیّة؛ لترتّب المسبّب علیها بلا حالة انتظاریّة، ولکن لیس هناک ممرّ الفیض‏‎ ‎‏وموجد الوجود الطبیعیّ أو الإلهیّ، بل هناک اعتبار وجود عقب وجود، فکما أنّ‏‎ ‎‏أصل السبب اعتبار، وأصل المسبّب اعتبار، أصل التسبّب والصدور والممرّیّة اعتبار.‏‎ ‎‏والبحث عن کفایة أحد الاعتبارات عن الآخر وعدمها، أجنبیّ عن هذه المسألة،‏‎ ‎‏فدخول العلاّمة النائینیّ ‏‏رحمه الله‏‎[2]‎‏ و«التهذیب»‏‎[3]‎‏ فی هذه الجهة خروج عن الجهة‏‎ ‎‏المبحوث عنها، کما لا یخفیٰ.‏

‏ومن هنا یظهر: أنّ الإشباع السببیّ مع أنّه لیس إلاّ سبباً بالمعنی المحرّر فی‏‎ ‎‏الإحراق والذبح، لیس أمراً وراء السببیّة العقلیّة.‏

کما یظهر:‏ أنّ الطهور ولو کان اعتباراً کالملکیّة وراء الغسلات، ولکن‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 64
‏المفروض هنا اعتبار السببیّة الطبیعیّة؛ بمعنیٰ أنّ هنا وجوداً مسبّباً عن وجود بلا‏‎ ‎‏حالة انتظاریّة، وهذا معنی السببیّة الشرعیّة والعقلائیّة.‏

‏وأمّا أنّ الغسلات والمعاملات أسباب واقعاً فی الاعتبار، أو موضوعات‏‎ ‎‏لاعتبار وأحکام وتعبّدات، فهو موکول إلی الفقه، وخارج عن مسألة البراءة‏‎ ‎‏والاشتغال فی باب الأسباب والمحصّلات، فما تریٰ فی کلام العلاّمة الأراکیّ‏‎[4]‎‎ ‎‏و«التهذیب»‏‎[5]‎‏ من الغور فی استظهار المسألة الفقهیّة هنا، فهو لعدم الوصول إلیٰ‏‎ ‎‏مغزی المرام فی المقام الذی زلّت فیه الأقدام.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 65

  • )) کشف المراد : 348 ، فرائد الاُصول 2 : 461 ، فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 3 : 401 ، حقائق الاُصول 1 : 257 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 4: 145 ـ 146.
  • )) تهذیب الاُصول 2: 352.
  • )) نهایة الأفکار 3: 401 ـ 402.
  • )) تهذیب الاُصول 2: 352 ـ 353.