المسألة الثالثة فی الأقلّ والأکثر

أحدهما : فی الشبهة الموضوعیّة للمانع

أحدهما : فی الشبهة الموضوعیّة للمانع

‏ ‏

‏وقد تحرّر منّا فی مسألة الشبهة الحکمیّة، امتناع تصویر المانع‏‎[1]‎‏. ولو فرضنا‏‎ ‎‏ذلک علی الوجه الذی أبدعناه‏‎[2]‎‏، فلا تکفی البراءة الشرعیّة، فضلاً عن العقلیّة‏‎ ‎‏والعقلائیّة؛ ضرورة أنّ مجرّد التعبّد بعد مانعیّة المشکوک فیه غیر کافٍ؛ لأنّه وإن کان‏‎ ‎‏قد أتیٰ بما هو المأمور به بأجزائه وشرائطه، وإنّما الشکّ فی وجود المانع، إلاّ أنّه لا‏‎ ‎‏یعقل مانعیّة الموجود إلاّ فی صورة ادعاء الشرع أنّ تلک الصلاة لیست بصلاة، أو‏‎ ‎


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 82
‏ادعاء أنّها تسبیح، کما تریٰ فی الصلاة المعادة فی الأخبار، حیث ورد: ‏«إن شاء‎ ‎جعلها تسبیحاً، وإن شاء جعلها فریضة»‎[3]‎‏ ومعناه أنّه إن جعلها فریضة فلا تصحّ‏‎ ‎‏الإعادة، وإن جعلها تسبیحاً تصحّ الإعادة، وتفصیله فی الفقه.‏

‏وعلیٰ هذا، لا یمکن بمجرّد جریان البراءة عن المانعیّة وعن جواز العقوبة‏‎ ‎‏من ناحیة وجود المانع، تصحیح المأتیّ به؛ ضرورة أنّ ما هو محطّ الادعاء هو‏‎ ‎‏المعنی الکلّی فی الأدلّة الاجتهادیّة، وأنّه فی تلک الأدلّة یدّعی الشرع ـ عند اعتبار‏‎ ‎‏المانع ـ أنّ الصلاة لیست بصلاة، وأمّا کون ما فی الخارج مصداقاً لذلک الادعاء،‏‎ ‎‏فغیر ممکن؛ لأنّه لم یدّعِ أنّ عند عدم المانع ما هو الصلاة عرفاً صلاة عندی.‏

‏هذا، ولو فرضنا أنّه لازم الدلیل الاجتهادیّ مثلاً، فیکون هناک إدعاءان: ادعاء‏‎ ‎‏أنّ مع وجود المانع ما هو الصلاة عرفاً لیس صلاة عندی، ومع عدم وجود المانع ما‏‎ ‎‏هو الصلاة عرفاً صلاة عندی أیضاً، فیکون له الإمضاء بالنسبة إلیٰ تشخیص العرف.‏‎ ‎‏فلا تکفی البراءة أیضاً لأنّه لابدّ من کشف إمضاء الشرع بالنسبة إلی المأتیّ به. اللهمّ‏‎ ‎‏إلاّ أن یقال: إنّ الانطباق قهریّ.‏

‏إلاّ أنّ الإنصاف: عدم اقتضاء للدلیل الاجتهادیّ المذکور بالنسبة إلیٰ حال‏‎ ‎‏وجود المرکّب عند عدم المانع؛ لأنّ المرکّب موجود عرفیّ، ویکون مصداقاً طبعاً‏‎ ‎‏للأدلّة الشرعیّة، لأنّ ادعاء الشرع کونَ الصلاة لیست بصلاة، لازم عند وجود المانع،‏‎ ‎‏وأمّا ادعاء أنّها صلاة عند عدم المانع، فلا حاجة إلیه.‏

‏وتوهّم الحاجة إلیه؛ للخروج عن المثبتیّة فی ظرف الشکّ فی وجود المانع،‏‎ ‎‏ممّا لیس یخفیٰ ضعفه.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 83
‏وتوهّم کفایة إطلاق دلیل البراءة اللفظیّة لکشف الادعاء اللازم فیظرف‏‎ ‎‏وجود المانع، غیر صحیح علی المشهور بینهم: من أنّها أصل عملیّ‏‎[4]‎‏، وأمّا علیٰ ما‏‎ ‎‏سلکناه ـ من کونه دلیلاً حاکماً علی الأدلّة الأوّلیة، وتصرّفاً فی الواقع ـ فلا بأس به.‏

‏ویمکن أن یقال: إنّ البراءة الشرعیّة حسب المشهور غیر جاریة، ولکن‏‎ ‎‏البراءة العقلیّة والعقلائیة جاریتان؛ ضرورة أنّ المأتیّ به صلاة وعمرة وحجّ وهکذا‏‎ ‎‏عند العرف والعقلاء، وعند وجود المانع نحتاج إلی الادعاء، وهو غیر ثابت،‏‎ ‎‏فالعقوبة من هذه الناحیة فی غیر محلّها.‏

‏اللهمّ إلاّ أن یقال: إنّ مقتضی الاستصحاب ـ لاحتمال وجود المانع ـ بقاء‏‎ ‎‏الأمر وجواز العقوبة. إلاّ أن یعارضه استصحاب عدم وجود المانع، أو مانعیّة‏‎ ‎‏الموجود، وهو مقدّم علیٰ ذلک؛ لأنّه مسبب عنه. إلاّ أنّه ربّما لا یکون للاستصحاب‏‎ ‎‏السببیّ حالة سابقة، کما لا یخفیٰ.‏

أو یقال:‏ إنّه مطلقاً غیر جارٍ؛ لکونه مثبتاً، کما تکون البراءة الشرعیّة مثبتة،‏‎ ‎‏فلو قلنا بحجّیة الاستصحاب المثبت ـ کما هو الأقرب تبعاً للشهرة القدیمة، واقتضاء‏‎ ‎‏للصناعة العلمیّة ـ لا یکون تقدّم هذا الاستصحاب علی الاستصحاب الحکمیّ‏‎ ‎‏واضحاً؛ لتعارضهما فی محطّ یکون بالنسبة إلی الاستصحاب السببیّ لازماً،‏‎ ‎‏وبالنسبة إلی الاستصحاب المسبّبی مورداً، وقد حرّرنا فی التعادل والترجیح إمکانَ‏‎ ‎‏تقدّم أحد العامّین من وجه علی الآخر؛ إذا کان تعارضهما بهذا النحو‏‎[5]‎‏، فلیتأمّل.‏‎ ‎‏هذا حکم الاستصحاب الحکمیّ.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 84
‏وأمّا الاستصحاب الموضوعیّ، أو استصحاب الهیئة الاتصالیّة والصحّة‏‎ ‎‏الشأنیّة والقابلیّة، فسیمرّ علیک من ذی قِبَل إن شاء الله تعالیٰ.‏

وغیر خفیّ:‏ أنّ استصحاب عدم الجعل والحکمیّ الکلّی، غیر جارٍ عندنا‏‎ ‎‏مطلقاً، کما مرّ فی بعض المواضع‏‎[6]‎‏، وتفصیله فی الاستصحاب إن شاء الله تعالیٰ‏‎[7]‎‏.‏

بقی غریب:‏ وهو أنّ العلاّمة الأراکیّ توهّم: أنّ المانع هو القید العدمیّ‏‎[8]‎‏.‏

‏وهذا ممّا لا ینبغی أن یخفیٰ علی الأصاغر، فضلاً عن الأکابر؛ ضرورة أنّ‏‎ ‎‏وزان الاعتباریّات وزان التکوینیّات، فکما لا معنیٰ لکون عدم الرطوبة مانعاً عن‏‎ ‎‏تأثیر النار فی الاحتراق، کذلک الأمر هنا.‏

‏نعم، لا بأس بأخذ المعانی العدمیّة قیداً وشرطاً فی المرکّبات الاعتباریّة،‏‎ ‎‏بخلاف الاُمور التکوینیّة؛ ضرورة أنّ العدم لا أثر له کی یکون دخیلاً فی المرکّب‏‎ ‎‏المؤثّر فی التکوینیّات، بخلاف التشریعیّات والاعتباریّات ومتعلّق الأمر والنهی، کما‏‎ ‎‏تحرّر فی هذا الکتاب مراراً‏‎[9]‎‏، فالمانع هو المضادّ لوجود الشیء، وخارج عن‏‎ ‎‏متعلّق الأمر، ولا یتعلّق به الأمر، ولا تنحلّ الطبیعة المرکّبة إلیه، بخلاف الأجزاء‏‎ ‎‏الصوریّة والتحلیلیّة الوجودیّة والعدمیّة.‏

‏نعم، اعتبار معنی عدمیّ مانعاً لشیء ممکن، کما هو ممکن بالنسبة إلی‏‎ ‎‏المعنی الوجودیّ، وکما أنّ المانعیّة الوجودیّة لا تعقل بالنسبة إلی المسائل‏‎ ‎‏الاعتباریّة والمرکّبات التشریعیّة إلاّ علی الوجه المتخیّل منّا، کذلک الأمر بالقیاس‏‎ ‎


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 85
‏إلی المعنی العدمیّ، فیجوز أن یکون غیر المذکّیٰ مانعاً فی الأعتبار.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 86

  • )) تقدّم فی الصفحة 56 ـ 57.
  • )) نفس المصدر.
  • )) وسائل الشیعة 8 : 401 ، کتاب الصلاة ، أبواب صلاة الجماعة ، الباب 54 ، الحدیث 1 و 8 و 10 و 11 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 47.
  • )) لم تصل هذه الدورة من بحوثه الاُصولیة إلی مباحث التعادل والترجیح ولعلّه قدس سره قرّر هذه المباحث فی المختصر النافع فی علم الاُصول وهو مفقود أو فی رسالة مستقلّة لم تصل إلینا.
  • )) تقدّم فی الصفحة 32.
  • )) یأتی فی الصفحة 533.
  • )) نهایة الأفکار 3 : 411.
  • )) تقدّم فی الجزء الثالث: 505 ـ 506.