مقتضی القواعد الأوّلیّة الثبوتیة والشبهات العقلیة فی صورة الإخلال بالمرکّب

حول أصالة الرکنیّة

حول أصالة الرکنیّة

‏ ‏

‏فتحصّل لحدّ الآن: أنّه لا إشکال ثبوتاً فی إمکان وصول المولیٰ إلیٰ مرامه‏‎ ‎‏بالنسبة إلی الغافل، کی یکون الغافل عمله عبادیّاً صحیحاً، وسبباً وموضوعاً للأثر‏‎ ‎‏والحکم والمسبّب، وأنّه مع إطلاق دلیل الجزء فلا شبهة فی الرکنیّة؛ بمعنیٰ أنّ ترکه‏‎ ‎‏یضرّ بالصحّة.‏

‏وأیضاً تبیّن أمر آخر: وهو القول بأصالة الرکنیّة ولو لم یکن لدلیل الجزء‏‎ ‎‏إطلاق، وأمکن ثبوتاً وجود الأمر بالنسبة إلیٰ ما وراء المعنی؛ وذلک لإطلاق دلیل‏‎ ‎‏المرکّب بالمعنی الذی عرفت، وبمقایسة المرکّبات الشرعیّة مع المرکّبات العرفیّة.‏

‏اللهمّ إلاّ أن یقال: بأنّ مع وجود اختصاص الجزئیّة فی المرکّبات الشرعیّة‏‎ ‎‏بغیر المعاملة، لا یصحّ القیاس والاستئناس المذکور. وأمّا کون إطلاق دلیل المرکّب‏‎ ‎‏عین إطلاقات أدلّة الأجزاء، فلازمه أن تصیر النتیجة هی أصالة الرکنیّة بالقیاس إلیٰ‏‎ ‎‏جمیع الطوارئ والحالات، کالاضطرار والإکراه بالنسبة إلیٰ إیجاد القاطع وترک‏‎ ‎‏الشرط. وأمّا المانع فقد مرّ ما فیه. ولا معنیٰ للاضطرار إلیٰ ترک الجزء.‏

وعلیٰ کلّ تقدیر:‏ لازم البیان المذکور أصالة الرکنیّة من جهة إثباتیّة، لا شبهة‏‎ ‎


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 106
‏ثبوتیّة کما یظهر من الشیخ‏‎[1]‎‏.‏

‏ولا تتمّ مقالة من توهّم: أنّه بعد إمکان حلّ المشکلة ثبوتاً تکون أصالة عدم‏‎ ‎‏الرکنیّة مرجعاً‏‎[2]‎‏، بل هناک طریق آخر: وهو أنّه مع کون الشبهة الثبوتیّة مندفعة،‏‎ ‎‏ومع فرض إهمال دلیل الجزء، یمکن تقریب أصالة الرکنیّة بالبیان المذکور وإن لم‏‎ ‎‏یتمّ حدیث المقایسة والاستیناس؛ لما اُشیر إلیه.‏

‏فلک أن تقول: إنّ إطلاق دلیل المرکّب ینحلّ إلیٰ إطلاق الأوامر الضمنیّة،‏‎ ‎‏فالقائلون بها لابدّ وأن یقولوا فی صورة إطلاق دلیل الطبیعة بأصالة الرکنیّة، فأصالة‏‎ ‎‏الرکنیّة لیست ـ فی مورد نسیان الجزء ـ دائرةً مدار إطلاق دلیل الجزء کما اشتهر‏‎[3]‎‏،‏‎ ‎‏بل ولا فی مورد الاضطرار والإکراه بالنسبة إلی الأجزاء والقواطع، وبالنسبة إلیٰ‏‎ ‎‏کافّة الطوارئ، فتأمّل.‏

‏نعم، لهم إنکار إطلاق أدلّة المرکّبات، واختیارهم أنّ قضیّة الأدلّة التشریعیّة،‏‎ ‎‏لیست إلاّ مشروعیّة المرکّب من غیر النظر إلی الإطلاق.‏

‏وهذا عندنا غیر واضح، بل ممنوع کما حرّرناه فی محلّه‏‎[4]‎‏؛ لاختلاف الأدلّة،‏‎ ‎‏واختلاف کیفیّة الأداء، والنزاعُ حول ذلک خروج عن الجهة المبحوث عنها فی‏‎ ‎‏الاُصول.‏

أقول:‏ یتوجّه إلی التقریب المذکور؛ أنّ العناوین المأخوذة مورد الأمر فی‏‎ ‎‏المرکّبات وإن کانت تنحلّ إلی الأجزاء، إلاّ أنّ فی مصبّ تعلّق الأمر لا کثرة فی‏‎ ‎


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 107
‏المتعلّق، ولا فی الأمر، ولا أساس للأوامر الضمنیّة، کما مرّ فی محلّه‏‎[5]‎‏. ولو کانت‏‎ ‎‏الأوامر النفسیّة المتعلّقة بالمرکّبات منحلّةً إلی الأوامر الضمنیّة، کان مقتضی الأصل‏‎ ‎‏هی أصالة الرکنیّة؛ ضرورة أنّ محطّ النزاع ما إذا لم یکن للأوامر الغیریّة ولأدلّة‏‎ ‎‏الأجزاء والشرائط إطلاق، وأمّا عدم کون أمر المرکّب ذا إطلاق أو إهمال، فهو غیر‏‎ ‎‏دخیل عند القوم فی محطّ النزاع.‏

‏نعم فی «تهذیب الاُصول» افترض أنّ محطّ النزاع عدم ثبوت الإطلاق لأمر‏‎ ‎‏المرکّب ولأمر الجزء‏‎[6]‎‏، وهذا فی غیر محلّه؛ لأنّ امتناع خطاب الناسی بالنسبة إلیٰ‏‎ ‎‏بقیّة الأجزاء لو کان تامّاً، فلا یختلف فی صورتی الإهمال والإطلاق.‏

‏کما أنّ مقتضی التقریبین اللذین ذکرناهما؛ هی أصالة الرکنیّة بالنسبة إلیٰ‏‎ ‎‏مطلق الطوارئ: من الجهالة، والنسیان، والوضع، والتکلیف، والاضطرار، والإکراه.‏

‏نعم، فی خصوص القاطع والمانع بعدما لم یکن لدلیلهما الإطلاق، فلا یمکن‏‎ ‎‏أصالة الرکنیّة بالنسبة إلی صورة اقتران المرکّب مع المانع للوجود، والقاطع للهیئة،‏‎ ‎‏إلاّ بالنسبة إلی القاطع العرفیّ والمانع العرفیّ، لو کان یعتبر فی بعض الفروض؛ لأنّ‏‎ ‎‏لازمه انعدام المرکّب، وعندئذٍ یلزم بقاء أمر المرکّب؛ لعدم امتثاله، ضرورة أنّ‏‎ ‎‏المانعیّة للوجود والقاطعیّة لا یتصوّران إلاّ بالنسبة إلیٰ حین الاشتغال بالمرکّب.‏

وبالجملة:‏ قضیّة إطلاق أمر المرکّب أصالة الرکنیّة علی التقریب المذکور،‏‎ ‎‏وحیث إنّه مبتنٍ علی انحلال الأمر المذکور إلی الأوامر الضمنیّة التی هی بحکم‏‎ ‎‏إطلاق أدلّة الأجزاء، وهذا الابتناء باطل جدّاً، فأصالة الرکنیّة باطلة.‏

‏فتحصّل لحدّ الآن: أنّ مقتضی القاعدة الأوّلیة عند عدم وجود الإطلاق لدلیل‏‎ ‎‏الجزء؛ هی أصالة عدم الرکنیّة من غیر فرق بین صور النسیان، وغیرها من العناوین‏‎ ‎


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 108
‏الطارئة الموجبة للإخلال بالمرکّب؛ وذلک لعدم الدلیل علی الرکنیّة.‏

‏نعم، یمکن دعویٰ: أنّ مقتضی الاستصحاب ـ للشکّ فی سقوط الأمر ـ هی‏‎ ‎‏الرکنیّة، وهذا فرع عدم تقدّم البراءة فی الرتبة السابقة علیه، کما هو الظاهر عندی،‏‎ ‎‏فعلیه فالقاعدة الأوّلیة تقتضی بقاء الأمر؛ للشکّ فی السقوط وإن کان ناشئاً من‏‎ ‎‏الشکّ فی الثبوت، کما مرّ فی الأقلّ والأکثر‏‎[7]‎‏. ولا فرق بین النسیان المستوعب‏‎ ‎‏وغیر المستوعب، ولا بین النسیان أوّل الوقت والذکران فی أوّله؛ ضرورة أنّ‏‎ ‎‏الخطابات القانونیّة تقتضی وجوب مجموع الأجزاء، بل مقتضی الوجوب التعلیقیّ‏‎ ‎‏ذلک قبل الوقت.‏

‏نعم، فی صورة إطلاق دلیل المرکّب، وإهمال دلیل الجزء، یکفی المصداق‏‎ ‎‏الصادق علیه عنوان المرکّب؛ لما تحرّر من الأعمّیة فی الموضوع له‏‎[8]‎‏، وعند ذلک‏‎ ‎‏فلا تصل النوبة إلی الشکّ والاستصحاب، کما لا حاجة إلی البراءة الشرعیّة أیضاً،‏‎ ‎‏والأمر واضح.‏

‏وعلیٰ هذا، الإخلال بجزء أو شرط المرکّب ـ بعد صدق الطبیعة علی المأتیّ‏‎ ‎‏به، وإطلاق دلیل المرکّب ـ لا یضرّ بشیء، وفی صورة إهمال دلیلها لا یجوز‏‎ ‎‏الاکتفاء بما أتیٰ به؛ للاستصحاب علیٰ کلّ تقدیر، من غیر فرق بین الطوارئ‏‎ ‎‏والموانع والقواطع. والتفصیل فی صور النسیان أو سائر الطوارئ، لا یرجع إلیٰ‏‎ ‎‏محصّل عندنا؛ لتقدّم الاستصحاب علی البراءة ولو کانت جاریة فی مرحلة الثبوت‏‎ ‎‏کما مرّ‏‎[9]‎‏.‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 109

  • )) فرائد الاُصول 2: 483.
  • )) نهایة الأفکار 3: 423.
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 4 : 216 ، نهایة الأفکار 3 : 423 ، تهذیب الاُصول 2 : 361 .
  • )) تقدّم فی الجزء الخامس : 425 ـ 427.
  • )) تقدّم فی الجزء الثالث: 26 ـ 27.
  • )) تهذیب الاُصول 2 : 361.
  • )) تقدّم فی الصفحة 30 وما بعدها.
  • )) تقدّم فی الجزء الثانی: 258 ـ 265.
  • )) تقدّم فی الصفحة 30 وما بعدها.