تذنیب : فی دعوی البراءة عن وجوب المرکّب لتعارض الإطلاقین ودفعها
ربّما یخطر بالبال أن یقال: إنّه لو فرضنا إطلاق دلیل المرکّب، وإطلاقَ دلیل الجزء، لا یکون الإطلاق الثانی مقدّماً علی الأوّل، وقضیّة القرینة الخروج عن محطّ
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 139
البحث، ولاسیّما قرینیّة قوله: «لا تترک الصلاة بحال» فإنّه راجع إلی القواعد الثانویّة؛ لتعرّض دلیل المرکّب للحال الطارئة من العجز والاضطرار وغیر ذلک مثلاً.
وأمّا وجه معارضة الإطلاقین؛ فهو أنّ حقیقة إطلاق دلیل المرکّب لیست إلاّ أنّ الصلاة واجبة، أو الأذان والإقامة مستحبّان، أو الحجّ والعمرة فرضان، سواء أتیٰ بالسورة أو لم یأتِ بها، أو أتیٰ بالتکبیرة أو لم یأتِ بها، أو أتیٰ بالشوط السابع أم لم یأتِ به، وحقیقة إطلاق دلیل الجزء هو أنّ کلّ واحد من المذکورات جزء المرکّب؛ سواء عجز أو قدر، وسواء نسی أو تذکّر، وسواء اضطرّ أو اُکره، أو لم یضطرّ ولم یکره، وتصیر النتیجة البراءة عن وجوب المرکّب؛ لتعارض الإطلاقین.
وفیه: أنّ المحرّر فی محلّه أنّ حقیقة الإطلاق لیست جمع القیود والتسریة، بل ولا ملاحظة رفض القیود. بل قد ذکرنا فی وجه رجوع اختلاف الأعلام إلیٰ شیء واحد: أنّ الإطلاق أمر یعتبر من أخذ الطبیعة موضوعاً للحکم؛ بشرط کونه بصدد بیان مرامه علی ما مرّ تفصیله، فعندئذٍ لیس فی المقام إلاّ أنّ الصلاة أو العمرة فرض، وأنّ السورة جزء للصلاة، والطواف جزء للعمرة، ولا شبهة فی تقدّم الثانی علی الأوّل؛ لتعرّض الثانی لخصوصیّة فی موضوع الأوّل، فلا تغفل.
نعم، ربّما یمکن التردّد فی تقدّم الثانی علی الأوّل: وهو فی صورة وجود الإطلاقات الکثیرة فی ناحیة دلیل المرکّب، والإطلاق الواحد فی دلیل الشرط والجزء، وهذا ما هو المحکیّ عن شیخ مشایخنا جدّ أولادی رحمه الله فی باب المطلق والمقیّد.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 140
ولا یلزم من هذا الفرض الخروج عن محطّ النزاع؛ لأنّه غیر القرینة التی تعرّض لها القوم، فإنّها مخصوصة بمرکّب خاصّ، وهذا أمر عامّ فی مطلق المرکّبات الشرعیّة؛ ضرورة وجود الأدلّة الکثیرة علیٰ مطلوبیّة عنوان المرکّب علی الإطلاق؛ بعد الفراغ عن کون أدلّة المرکّبات ذات إطلاق، ولیست لمجرّد التشریع کما مرّ.
وعلیٰ کلّ حال: لو تمَّ ما اُفید فی محلّه فلا یتمّ ذلک هنا؛ ضرورة أنّ دلیل الجزء یتکفّل حدّ الطبیعة وخصوصیّة ذات المرکّب فی اُفق الطلب، لا الاسم والعنوان، وهذا نظیر ما إذا وردت الأدلّة الکثیرة علیٰ وجوب عتق الرقبة، وورد دلیل واحد علیٰ أنّ الإیمان جزء محطِّ الأمر، بخلاف ما إذا ورد النهی عن عتق الرقبة الکافرة، فلیتأمّل.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 141