مقتضی القواعد الثانویة الإثباتیّة فی صورة الإخلال بالمرکّب
وبقی کلام حول مقتضی القواعد الثانویّة بالنسبة إلی الإخلال بالمرکّب من المرکّبات التأسیسیّة، کالأذان والإقامة وتسبیحات الزهراء ـ سلام الله علیها أو العبادیّة الإمضائیّة، کالحجّ والعمرة والصلاة، وغیر العبادیّة الإمضائیّة، کالعقود والإیقاعات، وغیر ذلک ممّا عرفت.
وقبل الخوض فی تلک المباحث، لابدّ وأن نشیر إلیٰ أمر زائد علی ما مرّ فی البحث السابق فی تحریر محطّ البحث، ضرورة أنّ الکلام حول الاختلال والإخلال بالنقیصة والزیادة؛ علیٰ وجه یصدق علیٰ ما فی الخارج عنوان المرکّب، فلا کلام حول ما إذا عجز عن معظم أجزاء العمرة والحجّ، أو أکثر أجزاء الصلاة وغیرهما، ولا فی صورة نسیان معظم الأجزاء؛ بحیث لا یصدق علی المأتیّ به عنوان الصلاة، ضرورة أنّه عند عدم صدق العنوان المذکور، لا تشمله الأدلّة العامّة.
نعم، ربّما یدلّ علیٰ خصوص بعض المرکّبات، الأدلّةُ الخاصّة المستفاد منها معنی أعمّ، کما فی صلاة الغرقیٰ، فلا تخلط.
إذا عرفت ذلک کما اُشیر إلیه اعلم: أنّ میزان القاعدة الأوّلیة والثانویّة أمر ربّما یکون أصلاً شرعیّاً ـ کالاستصحاب ـ من القاعدة الأوّلیة، ودلیلاً اجتهادیّاً من
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 142
القاعدة الثانویّة.
وقد وقع الخلط فی کلمات القوم هنا؛ وذلک لأنّ القاعدة الأوّلیة هی الأدلّة المقتضیة لمشروعیّة المرکّبات أو وجوبها، من غیر النظر إلیٰ حال من الأحوال الطارئة، کالنسیان، والخطأ، والعجز، والاضطرار، والإکراه.
والقاعدةَ الثانویّة هی الأدلّة المتعرّضة لحال من تلک الأحوال الطارئة بالنسبة إلی المرکّب، أو مجموع الأحوال علیٰ نحو الدلالة اللفظیّة، کما تریٰ فی قاعدة حدیث الرفع وغیرها، وهکذا فی روایة: «الصلاة لا تترک بحال» فإنّها من أدلّة القواعد الثانویّة؛ لتعرّضها للأحوال الطارئة من الاضطرار والعجز والإکراه والنسیان وغیرها.
فعلیٰ هذا، لا یکون الاستصحاب المتمسّک به هنا من أدلّة القواعد الثانویّة؛ ضرورة أنّ مجراه هو إبقاء وجوب المرکّب، فلابدّ أوّلاً من کون المتعذّر بوجه یصدق معه عنوان المرکّب علی الباقی، وأنّه لا یکون متعرّضاً للحال الطارئة من العجز وغیره من موارد جریانه محقّقاً أو فرضاً، فإنّ من الممکن إهمال دلیل المرکّب، وطروّ العجز بالنسبة إلی الجزء الذی یکون لدلیله الإطلاق، أو یمکن أن یصل المجتهد إلی معارضة الإطلاقین، فیتمسّک بالاستصحاب الحکمیّ وهکذا، فمثل الاستصحاب الحکمیّ هنا مثل إطلاق دلیل المرکّب، فإنّ مجرّد کون مفاد الحجّة وجوب الناقص، لا یلزم منه کونه من القواعد الثانویّة، فاغتنم.
وإن شئت قلت: إنّ هناک أنظاراً ثلاثة:
الأوّل: فی مقتضی القواعد الأوّلیة الاجتهادیّة.
والثانی: حول مقتضی القواعد الفقهائیّة والاُصول العملیّة.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 143
والثالث: حول مقتضی الأدلّة والقواعد الاجتهادیّة الثانویّة، فإنّ المفروض فی القواعد الثانویّة إطلاق دلیل الجزء، وبطلان المرکّب بدونه، وعلیٰ کلّ حال الأمر سهل.
إذا تبیّنت هذه النکتة والمیزان فاعلم: أنّ هناک مباحث:
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 144