بقی شیء : فی وجه استفادة رفع ما لا یقدرون من حدیث الرفع
إنّ قبل الإشارة إلیٰ محتملات الاستصحاب الحکمیّ، لنا دعویٰ: أنّ مقتضی حدیث: «رفع ... ما لا یطیقون» رفع جزئیّة الجزء المعجوز عنه؛ وذلک لأنّ ما لا یطاق أعمّ ممّا لا یقدر علیه عقلاً، أو کان الإتیان به حرجیّاً، أو کان فیه المشقّة الکثیرة وتحمّل الشدّة والتعب، ولو کانت الطاقة ورفعها فی الحدیث الشریف ظاهراً فی رفع المشقّة، دون مورد العجز العقلیّ، ولکن لنا دعویٰ فهم العرف منه والأولویّة القطعیّة.
وأمّا توهّم: أنّه لا امتنان علیٰ هذه الاُمّة فی مورد العجز؛ لأنّه لا تکلیف مع العجز فی هذه الاُمّة وغیرها، فالکلّ مشترک فی صحّة الاعتذار بالعجز فی صورة ترک المأمور به، أو لا أمر فی صورة العجز، فهو فی غیر محلّه کما مرّ فی المجلّد الأوّل؛ ضرورة أنّه فی صورة رفع التکلیف حال العجز بوجه ادعائیّ کما فی سائر الفقرات، فلازمه البراءة عند الشکّ فی القدرة؛ لأنّه یرجع إلی التمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیّة للمخصّص اللفظیّ، وهو عندهم ممنوع، بخلاف المخصّص
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 161
اللبّی علی الوجه المحرّر فی محلّه.
هذا مع أنّه لو کان إطلاق دلیل الجزء مقیّداً بحدیث: «رفع ... ما لا یطیقون» فیکفی الناقص، وفیه الامتنان جدّاً، فإذا طرأ علیه القدرة فی الوقت فلا شیء علیه، بخلاف ما لو طرأت علیه القدرة، والوقت باقٍ، فإنّه علیه التمام بالضرورة.
وبالجملة: إذا جری الحدیث الشریف بوجه کما عرفت، فلا تصل النوبة إلی الاستصحاب کما عرفت فیما سبق؛ لأنّه لا شکّ بعد ما یکون التقیید والحکومة واقعیّة؛ وأنّه مع العجز عن جزء المرکّب ـ عبادیّاً کان، أو غیر عبادیّ ـ لا جزئیّة له طبعاً.
وتوهّم: أنّه لأجل عدم القدرة علی الجزء لا قدرة له علی الکلّ، فالحدیث یرفع الکلّ، وهو أولیٰ، وفیه الامتنان الأکثر، فی غیر محلّه؛ ضرورة أنّه أوّلاً وبالذات عاجز عن الجزء، وإلاّ فلو کان العجز عن الکلّ صحیحاً لما کان وجه لتوهّم الاستصحاب التکلیفیّ الآتی المحتاج إلی القدرة طبعاً.
هذا مع أنّ رفع جزئیّة الجزء امتنان بالقیاس إلی العقود والإیقاعات، وهکذا شرطیّة الشرط، بخلاف رفع الکلّ، کما هو الواضح.
ودعویٰ عدم صحّة استناد العجز وعدم الطاقة بالنسبة إلی الواجب غیر المباشریّ؛ لإمکان إیکال الأمر إلیٰ غیره، غیر مسموعة.
نعم، هو قادر علی التامّ والفرد الکامل بالواسطة، ولکنّه یستند إلیه عدم القدرة والطاقة بالنسبة إلیٰ جزء المرکّب وشرطه عرفاً.
وهم: عدم ذکر «رفع ما لا یقدرون» یکشف عن امتناع تکلیف العاجز، وعن
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 162
وجود القرینة الحافّة الصارفة للإطلاقات والعمومات، وعن بطلان حدیث قانونیّة الخطابات.
ودفع أوّلاً: بأنّه ربّما یتصوّر الحکم الوضعیّ بالنسبة إلی العاجز؛ وأنّه لا قبح فی خطاب الغافل والناسی والعاجز بالنسبة إلی الإرشاد إلی الشرطیّة والجزئیّة، فیکون الإطلاق فی هذه المرحلة محفوظاً، کما صرّح به جمع من القوم قبال تفصیل الوحید البهبهانیّ رحمه الله علیٰ ما مرّ، فالرفع المذکور لازم بالنسبة إلیٰ هذه المرحلة من الإطلاقات والعمومات.
وثانیاً: قد اشتهر بین طائفة کشف الملاک التامّ فی موارد العجز؛ لدعوی العلم بعدم الخصوصیّة، وإطلاقُ الهیئة وإن امتنع، ولکنّه لا یستلزم امتناع إطلاق المادة، فعندئذٍ ربّما لم یذکر «رفع ما لا یقدرون» نظراً إلیٰ هذه المقالة؛ ضرورة بطلانها کما تحرّر مراراً، بخلاف ما إذا کان الحکم فعلیّاً بالنسبة إلی العاجز، فعدم ذکر هذه الفقرة لا یکشف عن بطلان قانونیّة الخطابات الإلهیّة علی الإطلاق. مع أنّه یترتّب علیه ثمرة جواز التمسّک بها عند الشکّ فی القدرة، وللمسألة موقف آخر.
فما هو المهمّ: هو أنّ إطلاق دلیل الجزء، ثابت عند الفریقین بالنسبة إلی العاجز والقادر، فإذا عجز عقلاً، أو کان الإتیان به خروجاً عن الطاقة، یجوز تقیید ذلک الإطلاق فقط، دون عموم المرکّب وإطلاقه فی الوضعیّات والتکلیفیّات، فیکون الناقص مجزیاً عن التامّ؛ بمعنیٰ أنّه المأمور به واقعاً، فلا تصل النوبة إلی الشکّ فی بقاء الأمر النفسیّ کی یستصحب، کما فی مورد نسیان الجزء، أو جهالة جزئیّة شیء، وإن کان فی المورد الثانی الاستصحاب ـ بل والأوّل ـ قابلاً للجریان فی حدّ
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 163
ذاته، لولا المناقشة من جهة اختصاص الاستصحاب فی هذه الصورة ـ وهی صورة إطلاق دلیل الجزء ـ بالاستصحاب الکلّی من القسم الثالث، وتفصیله فی محلّه.
وعلیٰ کلّ: هو فی مثل ما نحن فیه غیر جارٍ، وإن کان یحتمل حدوث التکلیف الآخر عند زوال التکلیف الأوّل المتعلّق بالکلّ غیر المتعذّرة أجزاؤه وشرائطه.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 164