المبحث الثالث : حول مقتضی القواعد الثانویّة فیما إذا طرأ العجز عن إتیان بعض المأمور به جزءً أو شرطاً
وقبل الإشارة إلیها، لا بأس بالإیماء إلیٰ أنّ من المحتمل دعویٰ: أنّ مقتضی انحلال إطلاق الأدلّة الأوّلیة ـ سواء کان لدلیل الجزء والشرط إطلاق، أو لم یکن ـ هو لزوم امتثال المرتبة التالیة المقدورة؛ وذلک بمقایسة الأقلّ والأکثر الارتباطیّین بالاستقلالیّین؛ ضرورة أنّه إذا ورد الأمر بالصدقة أو بأداء الدین، ینحلّ ذلک حسب مراتبهما، فیکون الأمر بالصلاة وأشباهها أیضاً کذلک؛ لصدق «الصلاة» علی المراتب المقدورة بالضرورة. إلاّ أنّه لا یمکن الالتزام بأوامر عَرْضیة فی الأقلّ والأکثر الارتباطیّین، بل والاستقلالیّین کما مرّ منّا.
ولکن قیام الدلیل العقلیّ علی الانحلال المذکور، لا یمنع من انحلال صحیح عقلائیّ؛ وهو الطولیّ وفی صورة التعذّر عن الأکثر، وقد تحرّر منّا مراراً: أنّ الانحلال یستتبع مقدار الحاجة العقلائیّة إلیه.
مثلاً: إذا باع داراً مشترکة بین خمسة أنفار، یکون البیع قابلاً للانحلال إلی الخمسة، وأمّا انحلال بیع الدار غیر المشترکة حسب أجزائها الفکّیة، أو العقلیّة والکسریّة، فهو غلط، وإنّما ینحلّ فی صورة الحاجة بمقدار الاحتیاج عرفاً عند العقلاء.
فمن کان واجداً للماء یبعثه قوله تعالیٰ: «أقِیمُوا الصَّلاَةَ» إلی المائیّة،
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 170
ومن کان فاقداً له یبعثه إلی الترابیّة، ومن کان عاجزاً عن الجزء أو الشرط یبعثه إلی البقیّة؛ بعد کونها صلاة لغة.
إن قلت: مقتضیٰ إطلاق دلیل الجزء بطلان الصلاة بدونه.
قلت: نعم، هذا بالنسبة إلی الأمر الأوّل الثابت للطبیعة الجامعة، فإنّ مقتضی الأمر بالجزء علی الإطلاق رکنیّة الجزء لها، وفقدُ الأمر بها بعد العجز عنه وبطلانُها؛ لفقد أمرها.
وأمّا بعد العجز، وفقد الأمر بالنسبة إلیها، فیکون أمر تأسیسیّ نفسیّ آخر بالنسبة إلیٰ بقیّة الأجزاء؛ لکونها صلاة مقدورة، وقضیّة الإطلاق أنّها مأمور بها.
بل لو قلنا: بأنّ الصلاة المتعذّر جزؤها مورد الأمر الفعلیّ؛ لإمکانه ولو کان عاجزاً کما هو الحقّ، ولکن لا بأس حینئذٍ بالانحلال؛ لعدم کونه معذوراً بالنسبة إلی البقیّة.
وهذا الذی ذکرنا، غیر ما مرّ فی أوائل بحث الإخلال بالمرکّب عمداً مع توهّم صحّته، کما احتمله المحقّق التقیّ الشیرازیّ، وصحّحه المحقّق الوالدـ مدّظلّه فلا تخلط، وعرفت امتناعه وعدم صحّته.
وأمّا توهّم عدم وجود الإطلاق لأدلّة التشریع الأوّلیة کما مرّ، فغیر تامّ؛ لاختلاف موارد تلک الأدلّة کما مضیٰ، ومجرّد ذهاب بعض أرکان الفضیلة أو جلّ
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 171
المتأخّرین إلیٰ فقد إطلاقها غیر مضرّ، فتدبّر.
ثمّ إنّ فی موارد الإطلاق البدلیّ یکون التقریب المذکور أظهر، وفی موارد العمومات فی مثل: «أوْفُوا بِالْعُقُودِ» یکون التمسّک لسببیّة العقد العرفیّ المعجوز عن قیده الشرعیّ علیٰ ما أسّسناه أوضح.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 172