مقتضی القواعد الثانویة الإثباتیّة فی صورة الإخلال بالمرکّب

المبحث الثالث : حول مقتضی القواعد الثانویّة فیما إذا طرأ العجز عن إتیان بعض المأمور به جزءً أو شرطاً

المبحث الثالث : حول مقتضی القواعد الثانویّة فیما إذا طرأ العجز عن إتیان بعض المأمور به جزءً أو شرطاً

‏ ‏

‏وقبل الإشارة إلیها، لا بأس بالإیماء إلیٰ أنّ من المحتمل دعویٰ: أنّ مقتضی‏‎ ‎‏انحلال إطلاق الأدلّة الأوّلیة ـ سواء کان لدلیل الجزء والشرط إطلاق، أو لم یکن ـ‏‎ ‎‏هو لزوم امتثال المرتبة التالیة المقدورة؛ وذلک بمقایسة الأقلّ والأکثر الارتباطیّین‏‎ ‎‏بالاستقلالیّین؛ ضرورة أنّه إذا ورد الأمر بالصدقة أو بأداء الدین، ینحلّ ذلک حسب‏‎ ‎‏مراتبهما، فیکون الأمر بالصلاة وأشباهها أیضاً کذلک؛ لصدق «الصلاة» علی المراتب‏‎ ‎‏المقدورة بالضرورة. إلاّ أنّه لا یمکن الالتزام بأوامر عَرْضیة فی الأقلّ والأکثر‏‎ ‎‏الارتباطیّین، بل والاستقلالیّین کما مرّ منّا‏‎[1]‎‏.‏

‏ولکن قیام الدلیل العقلیّ علی الانحلال المذکور، لا یمنع من انحلال صحیح‏‎ ‎‏عقلائیّ؛ وهو الطولیّ وفی صورة التعذّر عن الأکثر، وقد تحرّر منّا مراراً: أنّ‏‎ ‎‏الانحلال یستتبع مقدار الحاجة العقلائیّة إلیه‏‎[2]‎‏.‏

مثلاً:‏ إذا باع داراً مشترکة بین خمسة أنفار، یکون البیع قابلاً للانحلال إلی‏‎ ‎‏الخمسة، وأمّا انحلال بیع الدار غیر المشترکة حسب أجزائها الفکّیة، أو العقلیّة‏‎ ‎‏والکسریّة، فهو غلط، وإنّما ینحلّ فی صورة الحاجة بمقدار الاحتیاج عرفاً عند‏‎ ‎‏العقلاء.‏

‏فمن کان واجداً للماء یبعثه قوله تعالیٰ: ‏‏«‏أقِیمُوا الصَّلاَةَ‏»‏‎[3]‎‏ إلی المائیّة،‏‎ ‎


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 170
‏ومن کان فاقداً له یبعثه إلی الترابیّة، ومن کان عاجزاً عن الجزء أو الشرط یبعثه إلی‏‎ ‎‏البقیّة؛ بعد کونها صلاة لغة.‏

إن قلت:‏ مقتضیٰ إطلاق دلیل الجزء بطلان الصلاة بدونه.‏

قلت:‏ نعم، هذا بالنسبة إلی الأمر الأوّل الثابت للطبیعة الجامعة، فإنّ مقتضی‏‎ ‎‏الأمر بالجزء علی الإطلاق رکنیّة الجزء لها، وفقدُ الأمر بها بعد العجز عنه وبطلانُها؛‏‎ ‎‏لفقد أمرها.‏

‏وأمّا بعد العجز، وفقد الأمر بالنسبة إلیها، فیکون أمر تأسیسیّ نفسیّ آخر‏‎ ‎‏بالنسبة إلیٰ بقیّة الأجزاء؛ لکونها صلاة مقدورة، وقضیّة الإطلاق أنّها مأمور بها.‏

‏بل لو قلنا: بأنّ الصلاة المتعذّر جزؤها مورد الأمر الفعلیّ؛ لإمکانه ولو کان‏‎ ‎‏عاجزاً کما هو الحقّ، ولکن لا بأس حینئذٍ بالانحلال؛ لعدم کونه معذوراً بالنسبة إلی‏‎ ‎‏البقیّة.‏

‏وهذا الذی ذکرنا، غیر ما مرّ فی أوائل بحث الإخلال بالمرکّب عمداً مع‏‎ ‎‏توهّم صحّته‏‎[4]‎‏، کما احتمله المحقّق التقیّ الشیرازیّ‏‎[5]‎‏، وصحّحه المحقّق‏‎ ‎‏الوالدـ مدّظلّه ‏‎[6]‎‏ فلا تخلط، وعرفت امتناعه وعدم صحّته‏‎[7]‎‏.‏

‏وأمّا توهّم عدم وجود الإطلاق لأدلّة التشریع الأوّلیة کما مرّ‏‎[8]‎‏، فغیر تامّ؛‏‎ ‎‏لاختلاف موارد تلک الأدلّة کما مضیٰ‏‎[9]‎‏، ومجرّد ذهاب بعض أرکان الفضیلة أو جلّ‏‎ ‎


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 171
‏المتأخّرین إلیٰ فقد إطلاقها غیر مضرّ، فتدبّر.‏

‏ثمّ إنّ فی موارد الإطلاق البدلیّ یکون التقریب المذکور أظهر، وفی موارد‏‎ ‎‏العمومات فی مثل: ‏‏«‏أوْفُوا بِالْعُقُودِ‏»‏‎[10]‎‏ یکون التمسّک لسببیّة العقد العرفیّ المعجوز‏‎ ‎‏عن قیده الشرعیّ علیٰ ما أسّسناه أوضح.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 172

  • )) تقدّم فی الصفحة 15 و 16.
  • )) تقدّم فی الصفحة 18.
  • )) البقرة (2): 43.
  • )) تقدّم فی الصفحة 97 وما بعدها.
  • )) رسالة الخلل، المحقّق الشیرازی، ذیل حاشیته علی المکاسب 2: 194/ السطر16.
  • )) الخلل فی الصلاة، الإمام الخمینی قدس سره: 184.
  • )) تقدّم فی الصفحة 99 ـ 101.
  • )) تقدّم فی الصفحة 107.
  • )) نفس المصدر.
  • )) المائدة (5): 1.