مقتضی القواعد الثانویة الإثباتیّة فی صورة الإخلال بالمرکّب

المبحث الرابع : فیما لو تردّدت حال شیء بین کونه جزءً أو شرطاً، وبین کونه مانعاً أو قاطعاً

المبحث الرابع : فیما لو تردّدت حال شیء بین کونه جزءً أو شرطاً، وبین کونه مانعاً أو قاطعاً

‏ ‏

وبعبارة اُخریٰ:‏ لو تردّد الأمر بین وجوب إتیان شیء جزءً أو شرطاً، وبین‏‎ ‎‏وجوب ترکه.‏

وبعبارة ثالثة:‏ لو کان یعلم إجمالاً بأنّ وجود شیء إمّا مبطل وزیادة، أو‏‎ ‎‏جزء. أو یقال وصف فی المرکّب واجب فعله أو ترکه.‏

وبعبارة رابعة:‏ دار الأمر بین الوصفین اللذین لا ثالث لهما، کالجهر‏‎ ‎‏والإخفات، وأنّه یعلم إجمالاً بوجوب أحدهما، وحرمة الآخر.‏

وغیر خفیّ:‏ أنّ الأصحاب ‏‏رحمهم الله‏‏ قد وقعوا فی حیص وبیص بین العنوان ومثاله.‏

فبالجملة:‏ الأصحاب ‏‏رحمهم الله‏‏ بین تارک لهذه المسألة، کـ «الدرر» و«التهذیب»‏‎ ‎‏نظراً إلیٰ أنّ المسألة مندرجة فی مسألة المتباینین، وامتناع المخالفة القطعیّة لا‏‎ ‎‏ینافی وجوب الموافقة القطعیّة، وبین ذاکر لها إجمالاً، کـ «الکفایة»‏‎[1]‎‏ والعلاّمة‏‎ ‎


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 190
‏الأراکیّ ‏‏رحمه الله‏‏ نظراً إلی العلم الإجمالیّ علی الإطلاق‏‎[2]‎‏، وبین مفصّل بین صور‏‎ ‎‏المسألة، کالعلاّمة النائینیّ‏‎[3]‎‏، غافلاً عن أنّ المسألة فی التوصّلیات من المرکّبات‏‎ ‎‏وإن کانت من المتباینین، إلاّ أنّ المفروض عنده هی الملازمة بین وجوب الموافقة‏‎ ‎‏القطعیّة وحرمة المخالفة القطعیّة، فلو لم یتمکّن من المخالفة القطعیّة لا تجب‏‎ ‎‏الموافقة القطعیّة، ولا شبهة فی أنّه عندئذٍ لا یجب الاحتیاط؛ لانتفاء الملازمة‏‎ ‎‏المذکورة فی تنجیز العلم.‏

‏ویظهر فی بادئ النظر أنّ شیخنا العلاّمة الأنصاریّ ‏‏رحمه الله‏‏ اختار البراءة؛ لعدم‏‎ ‎‏جواز العقاب علیٰ ترک الکلّ بترک الجزء بعد إتیان عدمه المحتملة شرطیّته‏‎[4]‎‏.‏

وفیه:‏ أنّه فی الفرض المذکور ترجع المسألة إلیٰ أنّه یعلم إجمالاً بوجوب‏‎ ‎‏الصلاة المتقیّدة بالقنوت، أو وجوبها المتقیّد بعدمه، ولا فرق حینئذٍ بین المسألة وبین‏‎ ‎‏المتباینین. مع إمکان ترک القنوت غیر قاصد للقربة، فیکون مخالفة قطعیّة فی‏‎ ‎‏المرکّب العبادیّ.‏

‏فعلیٰ هذا تحصّل: أنّ هذه المسألة بحسب العنوان والأمثلة، لیست کما‏‎ ‎‏ینبغی؛ لعدم مورد یکون الأمر فیه دائراً بین الشرطیّة والجزئیّة، وبین المانعیّة‏‎ ‎‏والقاطعیّة الاصطلاحیّة.‏

‏والذی هو الأولیٰ بالعنوان: هو أن یدور الأمر بین کون الشیء واجباً غیریّاً أو‏‎ ‎‏نفسیاً، وبین کونه مبطلاً.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 191
فمن الأوّل:‏ الأمثلة المذکورة، کالحمد حین الشکّ فی الإتیان به وهو فی‏‎ ‎‏السورة مثلاً، أو الجهر والاخفات؛ بأن یکون الجهر مبطلاً، وعدمه واجباً غیریّاً،‏‎ ‎‏وکالاستتار بالثوب المتنجّس، وکالسلام بعد الفراغ من التشهّد الأوّل فیما لو دار‏‎ ‎‏الأمر بین القصر والإتمام.‏

ومن الثانی:‏ ما لو توجّه فی أثناء الصلاة مثلاً إلیٰ أنّه نسی السجدة الواحدة‏‎ ‎‏من الصلاة السابقة، أو التفت إلیٰ نسیان سجدتی السهو، وکرّر السلام، بل وقضاء‏‎ ‎‏التشهّد والسجدة فی الرکعة المتأخّرة؛ باحتمال کونه واجباً نفسیّاً أو مبطلاً؛ لقصور‏‎ ‎‏الأدلّة عن تعیین الوظیفة، وهذا أمر کثیر الدور فی الفقه.‏

‏وأمّا الحقّ فی الصورة الاُولیٰ: فهو أنّ العلم الإجمالیّ لا یکون منجّزاً بالنسبة‏‎ ‎‏إلیٰ مورده؛ ضرورة أنّ الوجوب الغیریّ لا یستتبع ـ بما هو هو ـ عقاباً. فإن قلنا‏‎ ‎‏بحرمة إبطال المرکّب المذکور، فیکون العلم الإجمالیّ مستلزماً لترک المبطل،‏‎ ‎‏ویکون بیاناً علیٰ صحّة العقوبة علی المرکّب الفاقد؛ لمعلومیّة الأمر به تفصیلاً،‏‎ ‎‏ومشکوکیّة الاجتزاء بما أتیٰ به، مع عدم دلیل علیٰ جواز الاجتزاء به.‏

‏فالمسألة لیست من قبیل دوران الأمر بین المحذورین؛ لإمکان المخالفة‏‎ ‎‏القطعیّة والموافقة القطعیّة حتّیٰ فی التوصّلیات؛ لعدم صحّة الأمر الغیریّ بالنسبة إلی‏‎ ‎‏الأجزاء الداخلیّة، کی یقال عند ترک أصل المرکّب: «خالف الأمر قطعیّاً، والنهی‏‎ ‎‏قعطیّاً» فلا معنیٰ لجریان البراءة.‏

‏ولا من قبیل الأقلّ والأکثر؛ للعلم بالاشتغال، والشکّ فی سقوط الأمر،‏‎ ‎‏وتمامیّة الحجّة علیٰ صحّة العقوبة علی الاکتفاء بالأقلّ أو بالإخفات؛ فیما إذا کان‏‎ ‎‏الأمر دائراً بین وجوبه ووجوب الجهر، فیکون خارجاً عن عنوان المسألة، فلابدّ من‏‎ ‎‏الاحتیاط حسب العقل.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 192
‏وقد تحرّر عندنا جریان البراءة الشرعیّة فی مجموع أطراف العلم‏‎ ‎‏الإجمالیّ‏‎[5]‎‏، وقضیّة حدیث الرفع رفع الوجوب والمبطلیّة، وعندئذٍ یجوز الاجتزاء‏‎ ‎‏بالمصداق الواحد، ویظهر ممّا تحرّر حدود ضعف کلمات القوم القائلین بالبراءة‏‎ ‎‏والاشتغال‏‎[6]‎‏.‏

‏وأمّا فی الصورة الثانیة: وهی ما لو دار الأمر بین وجوبه النفسیّ والمبطلیّة‏‎ ‎‏الوضعیّة المحضة، أو المبطلیّة المقرونة بالحرمة التکلیفیّة، فمقتضی استصحاب‏‎ ‎‏الصحّة علی الوجه المحرّر جواز الإتیان بالمبطل المذکور؛ لعدم لزوم المخالفة‏‎ ‎‏العملیّة مع العلم المزبور، فلیتأمّل.‏

‏ولو فرضنا وجوبه النفسیّ الفوریّ، ومبطلیّته التفصیلیّة، فتندرج المسألة فی‏‎ ‎‏باب التزاحم. والأشبه أنّ حرمة الإبطال لا تزاحم وجوبه الفوریّ؛ حسبما یستظهر‏‎ ‎‏من موارد جواز الإبطال، فتأمّل.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 193

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 194

  • )) کفایة الاُصول: 423.
  • )) نهایة الأفکار 3: 461.
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 4: 261 ـ 263، أجود التقریرات 2: 316 ـ 317.
  • )) فرائد الاُصول 2 : 502 ـ 503.
  • )) تقدّم فی الجزء السابع : 376.
  • )) فرائد الاُصول 2: 502 ـ 503، کفایة الاُصول : 423.