خاتمة الختام فی إعضال فی المقام : حول مشکلة صحّة عمل الجاهل فی موارد الجهر والقصر
قد اشتهر صحّة من أجهر فی موقف الخفت، أو أخفت فی موضع الجهر، وأتمّ فی موضع القصر، وبالعکس علیٰ وجه، أو صام جهلاً بالحکم فی السفر، علیٰ ما قیل. فربّما تحرّر المعضلة من أجل الدور، وقد مضیٰ وجه دفعه.
أو تحرّر من ناحیة الإجماع علیٰ عدم صحّة عمل الجاهل المقصّر.
وفیه: أنّه مضافاً إلیٰ منعه، مخصوص بالنصوص.
فالإعضال من جهة ذهابهم إلیٰ صحّة عمله، مع استحقاقه للعقوبة؛ ضرورة أنّ معنیٰ صحّة العمل ـ حسب التحقیق ـ خارجیّة المأمور به علیٰ وجه تنتزع عنه الصحّة، فعندئذٍ لا معنیٰ للاستحقاق، وإذا لم یکن کذلک فهو باطل یجب علیه الإعادة أو القضاء، أو باطل وتستحقّ علیه العقوبة، ولا إعادة علیه ولا قضاء، کما فی
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 237
موارد مذکورة فی الفقه، فالجمع بین الصحّة واستحقاق العقاب غیر معقول.
ویشبه أن یقال فی مورد الجهالة بالحکم الوضعیّ فی شرطیّة القبلة بالنسبة إلی التذکیة: إنّه یحلّ اللحم، ولا یجوز تبذیره وإسرافه، ویستحقّ العقوبة علیٰ صرفه وأکله. ولا یقاس ما نحن فیه بالاضطرار العمدیّ؛ لأنّ النسبة بین تلک الأدلّة والأدلّة الأوّلیة عموم من وجه، کما مرّ تفصیله فی الجمع بین الحکم الواقعیّ والظاهریّ.
وقد تصدّیٰ جمع من الأجلاّء لحلّ الإشکال من جهة أنّ الإخلال الجهلیّ کالعمدیّ، فإنّه یوجب استیفاء المصلحة علیٰ وجه غیر تامّ، فیکون لازمه تفویت المصلحة غیر القابلة للاستیفاء علی المولیٰ، مع أنّه غیر معذور، ولازمه صحّة العمل؛ إمّا بمعنیٰ موافقة الأمر الثانویّ الطولیّ الترتّبی، کما عن العلاّمة کاشف الغطاء.
أو بمعنی الأمر الانحلالیّ الطولیّ؛ لطولیّة المطلوب، کما عن العلاّمة الأراکیّ رحمه الله.
أو بمعنیٰ أنّ الصحّة لا تحتاج إلی الأمر؛ لکفایة مطابقته للمطلوب، کما هو ظاهر «الکفایة».
أو لموافقة الأوامر الضمنیّة النفسیّة الهادمة لموضوع الأمر الضمنیّ بالأکثر، کما هو الأقرب علی القول بتلک الأوامر الصغیرة، الباطلة عندنا کما عرفت.
فالاستحقاق لأجل تفویت المصلحة، لا لأجل الأمر الغیریّ، أو لتعجیز المولیٰ، أو تعجیز نفسه عن الاستیفاء التامّ.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 238
وأیضاً: لیس لأجل ترک التعلّم، فإنّه ـ مضافاً إلیٰ ما مرّ من قصور الأدلّة علیٰ وجوبه النفسیّ ـ خروج عن محلّ الکلام؛ لأنّهم یقولون باستحقاقه العقوبة علی الإخلال بالواجب، نظیر قول العلاّمة النائینیّ رحمه الله وبعض آخر من إنکار الاستحقاق أو صحّة العمل مثلاً، فإنّه خضوع فی مقابل الإعضال والإشکال.
وبالجملة: ما ذهب إلیه «الکفایة» من صحّة العمل، غیر تامّ؛ لاحتیاجها إلی الأمر، والمفروض أنّ المأمور به هو التامّ، وکفایة الناقص ولو لم یکن مورد الأمر بلا دلیل؛ فإنّ مقتضیٰ أخبار المسألة أنّ ما أتیٰ به هو المأمور به.
وإنکار الاستحقاق لأجل فقد الإجماع، أو لعدم کون المسألة شرعیّة، غیر تامّ؛ لأنّ فقد الإجماع وإن کان یمکن الالتزام به، ولکن العقل والعقلاء بناؤهم علیٰ صحّته.
وأمّا عدم کون المسألة شرعیّة، فهو وإن کان کذلک، ولکن یرجع إلیٰ حکم شرعیّ، وهذا کافٍ لکشف الإجماع منه، کما لو ورد فی النصّ استحقاق المکلّفین للعقوبة علیٰ ترک التعلّم، فإنّه یعلم منه أنّ التعلّم واجب، أو ترکه حرام مثلاً، فالإجماع هنا یکشف عن وجود الأمر الشرعیّ، وعصیانه والطغیان فی مقابله بلا عذر موجب للعقاب، وهو عقلائیّ، وهو الجهل عن تقصیر، کما هو الظاهر.
وهذا الأمر الثانوی الطولیّ الترتّبی وإن انحلّت به المشکلة، إلاّ أنّ الترتّب مستحیل، وصغری الترتّب غیر ممنوعة، سواءً قلنا: بأنّه فی مورد وجود الأمرین المطلقین، أو قلنا هو فی صورة حصول الأمر بعصیان الأمر الأوّل، سواءً کان إطلاق
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 239
قبله، أم لم یکن، فما ذهب إلیه «کشف الغطاء» غیر تامّ.
وأمّا الطولیّ بتعدّد المطلوب، فلازمه وجود الأمر الثانی فی عَرْض الأمر الأوّل، وتصیر النتیجة ـ مضافاً إلی امتناع تعلّق الأمرین التأسیسیّین بالمطلق والمقیّد لزوم کون الجهر شرطاً بالنسبة، والمفروض أنّه شرط علی الإطلاق. مع لزوم الامتثالات والعصیانات عند ترک الصلاة رأساً.
ولو کان الأمر الثانی بعد عصیان الأمر الأوّل من غیر ترتّب، فلازمه تحقّق الصلاة أوّلاً، ثمّ الأمر بها ولو بالنسبة إلیٰ تکبیرة الافتتاح.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 240