ختام فی شرائط الاحتیاط والبراءات الثلاث العقلیّة، والعقلائیّة، والشرعیّة

خاتمة الختام فی إعضال فی المقام : حول مشکلة صحّة عمل الجاهل فی موارد الجهر والقصر

خاتمة الختام فی إعضال فی المقام : حول مشکلة صحّة عمل الجاهل فی موارد الجهر والقصر

‏ ‏

‏قد اشتهر صحّة من أجهر فی موقف الخفت، أو أخفت فی موضع الجهر، وأتمّ‏‎ ‎‏فی موضع القصر، وبالعکس علیٰ وجه، أو صام جهلاً بالحکم فی السفر، علیٰ ما‏‎ ‎‏قیل‏‎[1]‎‏. فربّما تحرّر المعضلة من أجل الدور‏‎[2]‎‏، وقد مضیٰ وجه دفعه‏‎[3]‎‏.‏

‏أو تحرّر من ناحیة الإجماع علیٰ عدم صحّة عمل الجاهل المقصّر.‏

وفیه:‏ أنّه مضافاً إلیٰ منعه، مخصوص بالنصوص.‏

‏فالإعضال من جهة ذهابهم إلیٰ صحّة عمله، مع استحقاقه للعقوبة؛ ضرورة أنّ‏‎ ‎‏معنیٰ صحّة العمل ـ حسب التحقیق ـ خارجیّة المأمور به علیٰ وجه تنتزع عنه‏‎ ‎‏الصحّة، فعندئذٍ لا معنیٰ للاستحقاق، وإذا لم یکن کذلک فهو باطل یجب علیه‏‎ ‎‏الإعادة أو القضاء، أو باطل وتستحقّ علیه العقوبة، ولا إعادة علیه ولا قضاء، کما فی‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 237
‏موارد مذکورة فی الفقه، فالجمع بین الصحّة واستحقاق العقاب غیر معقول.‏

‏ویشبه أن یقال فی مورد الجهالة بالحکم الوضعیّ فی شرطیّة القبلة بالنسبة‏‎ ‎‏إلی التذکیة: إنّه یحلّ اللحم، ولا یجوز تبذیره وإسرافه، ویستحقّ العقوبة علیٰ صرفه‏‎ ‎‏وأکله. ولا یقاس ما نحن فیه بالاضطرار العمدیّ؛ لأنّ النسبة بین تلک الأدلّة والأدلّة‏‎ ‎‏الأوّلیة عموم من وجه، کما مرّ تفصیله فی الجمع بین الحکم الواقعیّ والظاهریّ‏‎[4]‎‏.‏

‏وقد تصدّیٰ جمع من الأجلاّء لحلّ الإشکال من جهة أنّ الإخلال الجهلیّ‏‎ ‎‏کالعمدیّ، فإنّه یوجب استیفاء المصلحة علیٰ وجه غیر تامّ، فیکون لازمه تفویت‏‎ ‎‏المصلحة غیر القابلة للاستیفاء علی المولیٰ، مع أنّه غیر معذور، ولازمه صحّة العمل؛‏‎ ‎‏إمّا بمعنیٰ موافقة الأمر الثانویّ الطولیّ الترتّبی، کما عن العلاّمة کاشف الغطاء‏‎[5]‎‏.‏

‏أو بمعنی الأمر الانحلالیّ الطولیّ؛ لطولیّة المطلوب، کما عن العلاّمة‏‎ ‎‏الأراکیّ ‏‏رحمه الله‏‎[6]‎‏.‏

‏أو بمعنیٰ أنّ الصحّة لا تحتاج إلی الأمر؛ لکفایة مطابقته للمطلوب، کما هو‏‎ ‎‏ظاهر «الکفایة»‏‎[7]‎‏.‏

‏أو لموافقة الأوامر الضمنیّة النفسیّة الهادمة لموضوع الأمر الضمنیّ بالأکثر،‏‎ ‎‏کما هو الأقرب علی القول بتلک الأوامر الصغیرة، الباطلة عندنا کما عرفت‏‎[8]‎‏.‏

‏فالاستحقاق لأجل تفویت المصلحة، لا لأجل الأمر الغیریّ، أو لتعجیز‏‎ ‎‏المولیٰ، أو تعجیز نفسه عن الاستیفاء التامّ.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 238
‏وأیضاً: لیس لأجل ترک التعلّم، فإنّه ـ مضافاً إلیٰ ما مرّ من قصور الأدلّة علیٰ‏‎ ‎‏وجوبه النفسیّ ـ خروج عن محلّ الکلام؛ لأنّهم یقولون باستحقاقه العقوبة علی‏‎ ‎‏الإخلال بالواجب، نظیر قول العلاّمة النائینیّ ‏‏رحمه الله‏‏ وبعض آخر من إنکار الاستحقاق‏‎ ‎‏أو صحّة العمل مثلاً‏‎[9]‎‏، فإنّه خضوع فی مقابل الإعضال والإشکال.‏

وبالجملة:‏ ما ذهب إلیه «الکفایة» من صحّة العمل‏‎[10]‎‏، غیر تامّ؛ لاحتیاجها إلی‏‎ ‎‏الأمر، والمفروض أنّ المأمور به هو التامّ، وکفایة الناقص ولو لم یکن مورد الأمر بلا‏‎ ‎‏دلیل؛ فإنّ مقتضیٰ أخبار المسألة أنّ ما أتیٰ به هو المأمور به.‏

‏وإنکار الاستحقاق لأجل فقد الإجماع، أو لعدم کون المسألة شرعیّة،‏‎ ‎‏غیر تامّ؛ لأنّ فقد الإجماع وإن کان یمکن الالتزام به، ولکن العقل والعقلاء بناؤهم‏‎ ‎‏علیٰ صحّته.‏

‏وأمّا عدم کون المسألة شرعیّة، فهو وإن کان کذلک، ولکن یرجع إلیٰ حکم‏‎ ‎‏شرعیّ، وهذا کافٍ لکشف الإجماع منه، کما لو ورد فی النصّ استحقاق المکلّفین‏‎ ‎‏للعقوبة علیٰ ترک التعلّم، فإنّه یعلم منه أنّ التعلّم واجب، أو ترکه حرام مثلاً،‏‎ ‎‏فالإجماع هنا یکشف عن وجود الأمر الشرعیّ، وعصیانه والطغیان فی مقابله بلا‏‎ ‎‏عذر موجب للعقاب، وهو عقلائیّ، وهو الجهل عن تقصیر، کما هو الظاهر.‏

‏وهذا الأمر الثانوی الطولیّ الترتّبی وإن انحلّت به المشکلة، إلاّ أنّ الترتّب‏‎ ‎‏مستحیل، وصغری الترتّب غیر ممنوعة، سواءً قلنا: بأنّه فی مورد وجود الأمرین‏‎ ‎‏المطلقین، أو قلنا هو فی صورة حصول الأمر بعصیان الأمر الأوّل، سواءً کان إطلاق‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 239
‏قبله، أم لم یکن، فما ذهب إلیه «کشف الغطاء» غیر تامّ.‏

‏وأمّا الطولیّ بتعدّد المطلوب، فلازمه وجود الأمر الثانی فی عَرْض الأمر‏‎ ‎‏الأوّل، وتصیر النتیجة ـ مضافاً إلی امتناع تعلّق الأمرین التأسیسیّین بالمطلق‏‎ ‎‏والمقیّد لزوم کون الجهر شرطاً بالنسبة، والمفروض أنّه شرط علی الإطلاق. مع‏‎ ‎‏لزوم الامتثالات والعصیانات عند ترک الصلاة رأساً.‏

‏ولو کان الأمر الثانی بعد عصیان الأمر الأوّل من غیر ترتّب، فلازمه تحقّق‏‎ ‎‏الصلاة أوّلاً، ثمّ الأمر بها ولو بالنسبة إلیٰ تکبیرة الافتتاح.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 240

  • )) العروة الوثقی 1 : 650 ، فصل فی القراءة ، المسألة 22 ، و 2 : 161 ـ 162 ، فصل فی أحکام صلاة المسافر ، المسألة 3 و 4 .
  • )) تهذیب الاُصول 2: 431، أنوار الهدایة 2: 432.
  • )) تقدّم فی الجزء السادس: 117 وما بعدها.
  • )) تقدّم فی الجزء الثانی : 312 وما بعدها ، وفی الجزء السادس : 250 وما بعدها .
  • )) فرائد الاُصول 2: 524، کشف الغطاء: 27 / السطر 22 ـ 23.
  • )) نهایة الأفکار 3: 487.
  • )) کفایة الاُصول : 427 ـ 428.
  • )) تقدّم فی الصفحة 8 و 28 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 4 : 295 ـ 301 ، مصباح الاُصول 2 : 508 و 509 .
  • )) کفایة الاُصول : 427 ـ 428.