المقصد الحادی عشر فی الاستصحاب

الجهة الاُولیٰ : فی حجّیتها

الجهة الاُولیٰ : فی حجّیتها

‏ ‏

‏وقد مرّ وجه الإشکال من ناحیة سند الشیخ فی نسخة «التهذیبین» إلی‏‎ ‎‏الحسین بن سعید الأهوازیّ‏‎[1]‎‏، وإذا ضمّ إلیه الإضمار، وخلوّ مثل «الکافی»‏‎ ‎‏و«الفقیه» منه، مع ما یأتی من بعض المناقضات فی متنه، یشکل الاعتماد، بعد عدم‏‎ ‎‏وجود الإطلاق لأدلّة حجّیة الخبر؛ حتّیٰ یجوز التفکیک فی الحجّیة والروایة، وبعد‏‎ ‎‏عدم تمسّک القدماء بمثلها لحجّیة الاستصحاب. ومجرّد کونه فی «العلل» مع أنّه‏‎ ‎‏لیس من الکتب المتواترة غیر کافٍ، وإلاّ فسند «العلل» فی أعلیٰ درجة عندنا وإن‏‎ ‎‏کان فیه إبراهیم بن هاشم، فتدبّر.‏

‏ثمّ إنّ أصحابنا الاُصولیّین خلطوا بین إشکالات ترد علیٰ تقریبها لحجّیة‏‎ ‎‏الاستصحاب، وبین بعض إشکالات ترد علیها موجبة لوهنها، ومستلزمة لسقوطها‏‎ ‎‏عن الاعتبار، أو الشکّ فیه الراجع إلیه أیضاً.‏

‏وینبغی أن یذکر بعض ما یتوجّه إلیها بحسب متنها من غیر ارتباطها بمسألة‏‎ ‎‏الاستصحاب، ثمّ البحث عمّا یرتبط بتقاریب الاستصحاب، وبعض المعضلات حول‏‎ ‎‏تلک التقاریب، وحول الروایة من هذه الجهة:‏

فنقول:‏ إنّ هناک إشکالاً ومناقضةً؛ وهی أنّ مقتضیٰ قوله: «قلت: إن رأیته فی‏‎ ‎‏ثوبی وأنا فی الصلاة» إمّا المناقضة مع ما مرّ فی الصدر، أو المناقضة مع ما فی الشقّ‏‎ ‎‏المقارن له؛ لأنّه إن اُرید منه أنّه کان بعد ما رأیٰ فی ثوبه علیٰ علم من وقوعه فی‏‎ ‎‏الأجزاء السابقة، فلازمه جریان الاستصحاب إلیٰ حین الالتفات، ووجوب الغسل‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 340
‏فقط، دون الإعادة.‏

‏وإن کان علیٰ علم بوقوعه حین کونه فی الصلاة، فهو مثل الشقّ المقارن‏‎ ‎‏المحکوم بالغسل فقط، دونها.‏

وبتقریب ثانٍ:‏ مقتضیٰ إیجاب الإعادة فی الفرض الأوّل دون ما مرّ فی‏‎ ‎‏الصدر، بطلان الصلاة إذا وقع بعض جزءٍ منها مع النجاسة، وصحّتها إذا کان‏‎ ‎‏مجموعها معها.‏

وبتقریب ثالث:‏ مقتضیٰ إیجاب الإعادة عدم حجّیة الاستصحاب؛ بناءً علیٰ‏‎ ‎‏کون الصدر ظاهراً فیها علیٰ ما یأتی تفصیله فی الجهة الثانیة إن شاء الله تعالیٰ‏‎[2]‎‏.‏

‏وإن کان لا یدری أنّ ما رآه من النجاسة فی الأثناء هو حادث حین الصلاة‏‎ ‎‏أو قبلها، فلا یتلائم وجوب الإعادة مع عدم إیجابه السابق والعلاج اللاحق.‏

‏فهذه الجملة إمّا منافیة للفقرة السابقة؛ ولحجّیة الاستصحاب الراجعة إلیٰ‏‎ ‎‏بطلان المأتیّ به من الأجزاء، أو للفقرة اللاحقة الملاصقة المشتملة علیٰ کیفیّة‏‎ ‎‏العلاج، کما ذکره الأصحاب فی کتبهم الفقهیّة والاُصولیّة.‏

وبتقریب رابع:‏ إنّ جملة ‏«لعلّه شیء اُوقع علیک»‏ تسری إلی الفقرة الوسطی‏‎ ‎‏المذکورة فی صورة احتمال وقوعها فی الأثناء، ثمّ رؤیتها. فالروایة مضطربة ذیلاً،‏‎ ‎‏وهو موجب لاضطراب الصدر، الموجب لإجمالها، المنتهی إلیٰ ردّ علمها إلیٰ أهلها،‏‎ ‎‏من غیر جواز طرح الذیل کما فی کلام بعضهم؛ لأنّ بناء العقلاء قاصر، ولا إطلاق‏‎ ‎‏لأدلّة اعتبار الخبر الواحد رأساً بعد وجود الضمائم الاُخر الموهنة، فإنّ کلّ واحد‏‎ ‎‏منها ولو کان قابلاً للدفع، إلاّ أنّ المجموع یعضد بعضه بعضاً.‏

وبتقریب خامس:‏ إنّ الغسل فی أثناء الصلاة علی الإطلاق غیر جائز‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 341
‏بالضرورة؛ لما یحتاج إلی المؤونة الزائدة المضرّة بها عرفاً واغتراساً، بل وفتویً.‏‎ ‎‏وحمل الروایة علی الغسل غیر المنافی‏‎[3]‎‏ حمل علی الفرد النادر؛ بدیهة أنّ فرض‏‎ ‎‏النجاسة، وفرضَ وجود الماء، مع فرض عدم لزوم الزیادة العمدیّة، کالقعود فی أثناء‏‎ ‎‏القراءة، مع عدم احتیاج النجاسة إلیٰ الدلک ـ وغیر ذلک من اللوازم لإزالة النجاسة ـ‏‎ ‎‏فرض نادر جدّاً.‏

وبتقریب سادس:‏ إنّ جملة «رأیته رطباً» مقیّدةً بکلمة «رطباً» ـ بعد کون‏‎ ‎‏المفروض دم رعاف، أو منیّاً، أو دم غیر رعاف، کما هو الظاهر ـ اُخذت أمارة، بل‏‎ ‎‏هو الموجب للوثوق الشخصیّ غالباً بأنّه لیس حال الصلاة، ویکون حادثاً اُوقع‏‎ ‎‏علیه، وعندئذٍ لا معنیٰ لکلمة ‏«لعلّه»‏ ضرورة أنّ الرعاف من المصلّی غیر مغفول‏‎ ‎‏عنه، وهکذا المنیّ. مع أنّه یوجب الخلل فی الطهارة الحدثیّة علی فرض کونه منه.‏

وبالجملة:‏ مقتضی الضمائر فی الروایة أنّه هو دم رعاف، ولا معنیٰ عندئذٍ‏‎ ‎‏لکلمة ‏«لعلّه»‏ بل وقوعه علیه معلوم أنّه من الخارج الحادث، ومن غیره حسب‏‎ ‎‏المتعارف، کما لا یخفیٰ. ولو کان من غیره فهو أیضاً أمر بعید خلاف المتعارف.‏

وبتقریب سابع:‏ إنّ هذه الروایة غیر سالمة من جهة المعارضة للأخبار الاُخر‏‎ ‎‏فی کتاب الطهارة؛ وذلک من جهتین:‏

الجهة الاُولیٰ:‏ من جهة ظهورها فی شرطیّة الطهارة المعلومة فی قبال ما یدلّ‏‎ ‎‏علیٰ خلافها، وقد تشبّث هناک الأعلام‏‎[4]‎‏ وهنا بعضهم‏‎[5]‎‏ لحلّ المشکلة بما لا یرجع‏‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 342
‏إلیٰ محصّل.‏

والجهة الثانیة:‏ من جهة ذیلها، والأمر بمعالجة المشکلة المبتلیٰ بها المصلّی‏‎ ‎‏فی أثناء الصلاة، فإنّ فی الأخبار ـ کموثّقة ابن سرحان‏‎[6]‎‏، وخبر عبدالله بن‏‎ ‎‏سِنان‏‎[7]‎‏ـ ما یدلّ علی الإتمام من غیر حاجة إلی الغسل، وموردهما الدم أیضاً،‏‎ ‎‏ومثلهما حسنة ابن مسلم‏‎[8]‎‏ فلیراجع، فالمسألة غیر نقیّة.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 343

  • )) تقدّم فی الصفحة 324 ـ 325.
  • )) یأتی فی الصفحة 346 ـ 347 .
  • )) لاحظ جواهر الکلام 6: 224.
  • )) مصباح الفقیه، کتاب الطهارة: 620 / السطر 29 وما بعدها، مستمسک العروة الوثقی 1: 532 ـ 533.
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 4 : 353 وما بعدها.
  • )) وسائل الشیعة 3: 483، کتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 44، الحدیث 2.
  • )) وسائل الشیعة 3: 483، کتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 44، الحدیث 3.
  • )) وسائل الشیعة 3: 478، کتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 41، الحدیث 2.