المقصد الحادی عشر فی الاستصحاب

بقی شیء : فی أنّ مسببات العقود هی لوازم ذات السبب والماهیة

بقی شیء : فی أنّ مسببات العقود هی لوازم ذات السبب والماهیة

‏ ‏

‏قد اشتهر القول: «بأنّ اُموراً سبب کألفاظ العقود والإیقاعات»‏‎[1]‎‏.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 433
‏وذهب الوالد المحقّق ـ مدّظلّه وبعض آخر إلیٰ موضوعیّة تلک العناوین‏‎ ‎‏لأحکامٍ عقلائیّة مثلاً، کسائر الموضوعات‏‎[2]‎‏.‏

ویمکن دعویٰ:‏ أنّ تلک الاُمور المسبّبیة من لوازم ذات السبب والماهیّة‏‎ ‎‏الاعتباریّة، مثل الإمکان بالنسبة إلی الماهیّة.‏

‏فعلی القول الأوّل، اتخذ الاعتبار المذکور من السببیّة التکوینیّة؛ للاشتراک فی‏‎ ‎‏الخاصّیة، کما تریٰ فی النار بالنسبة إلی الإحراق، وهکذا فی البیع بالنسبة إلی النقل‏‎ ‎‏والانتقال.‏

‏وعلی القول الثالث، اتخذ الاعتبار المذکور من الماهیّات التکوینیّة والأعیان‏‎ ‎‏بالقیاس إلیٰ لوازمها، حتّیٰ قال الاُستاذ البروجردیّ ‏‏قدس سره‏‏ فی موضع: «إنّ الوجوب‏‎ ‎‏والحرمة من لوازم الماهیّات وتلک الطبائع فی الاعتبار»‏‎[3]‎‏ وبه تلحق سائر الاُمور‏‎ ‎‏حسب نظرنا ثبوتاً.‏

‏وأمّا القول الثانی، فحیث لا تأثیر ولا لزوم عقلیّ، فلابدّ وأن یکون هناک‏‎ ‎‏حکم عقلائیّ، فعند تحقّق البیع السببیّ بذاته یحکم العقلاء بالنقل والانتقال، وعند‏‎ ‎‏تحقّق ألفاظ الطلاق والعتاق یحکم العقلاء بالحرّیة وهکذا. والمناقشة من ناحیة‏‎ ‎‏عدم حصول الجدّ متوجّهة إلی الکلّ، والجواب واحد بعد بطلان التأثیر التکوینیّ،‏‎ ‎‏واللزوم العقلیّ وهکذا.‏

أقول:‏ قضیّة ما عرفت منّا من توسعة المصادیق الاعتباریّة من غیر تصرّف‏‎ ‎‏فی المفهوم الطبیعیّ‏‎[4]‎‏، کون تلک التوسعة لمساس الحاجة فی الحضارة، فکلّ ما‏‎ ‎‏کان أکثر إمساساً وإدراکاً بحسب التکوین، فهو أولیٰ بکونه مبدأً للحوق المصداق‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 434
‏الاعتباریّ، وعندئذٍ ما ذهب إلیه المشهور أولیٰ، کما اخترناه فی بعض المباحث‏‎ ‎‏الماضیة‏‎[5]‎‏.‏

‏ولکن بحسب التجزئة والتحلیل، کما لایدرک العقل الزوجیّة وهی عنوان واحد‏‎ ‎‏من الکثیر بما هو کثیر ـ وهو الاثنان والأربعة والستّة والمائة والألف ـ إلاّ برجوع‏‎ ‎‏تلک العناوین الکثیرة إلیٰ جهة جامعة: وهی ما ینقسم إلی المتساویین مثلاً، ولا‏‎ ‎‏یکون الإحراق إلاّ لما هو طبیعة تشترک فیها الشمس والنار والکهرباء وغیر ذلک.‏

‏کذلک العقلاء بحسب الفطرة، لا یرون أنّ البیع سبب النقل والانتقال، والصلحَ‏‎ ‎‏سبب النقل والانتقال، والإجارة، ولا یرون أنّ النقل والانتقال من لوازم تلک‏‎ ‎‏الماهیّات المتباینة وإن اختلفت خصوصیّة النقل والانتقال الخارجیّ، إلاّ أنّها لیست‏‎ ‎‏خارجة عن هذا المفهوم العامّ المشترک المحتاج إلی الجهة الجامعة الواقعیّة‏‎ ‎‏التکوینیّة أو الاعتباریّة، بل حکمهم بالنقل والانتقال عند تحقّق البیع وعند تحقّق‏‎ ‎‏الصلح والإجارة وغیرها أقرب، فلا یحکمون بوجوب إکرام زید وعمرو وبکر إلاّ‏‎ ‎‏من جهة اشتراکهم فی العنصریّة، أو العلم، أو الإسلام، أو غیر ذلک، فلا یحکمون‏‎ ‎‏بشیء واحد ـ وهو الوجوب أو الحرمة بالنسبة إلی الموضوعات المختلفة ـ إلاّ‏‎ ‎‏برجوعها إلیٰ معنی واحد.‏

‏وعلیٰ هذا، یسقط أساس بحوثهم عن السببیّة، وحکم العقلاء، واللزوم‏‎ ‎‏الاعتباریّ علیٰ ما عرفت، ویرجع البحث إلیٰ أنّ کلّ قرار معاملیّ أو کلّ قرار‏‎ ‎‏عقلائیّ بل کلّ قرار، محترم عند العقلاء، وإنّما تختلف خاصّة الحرمة حسب‏‎ ‎‏الموارد، والشرع ربّما أنفذ ذلک، وربّما اعتبر الاختیار لأحد طرفی القرار کما فی‏‎ ‎‏الهبة، أو أنّه فی بعض الأحیان اعتبر الاختیار لصاحب الحیوان إلیٰ ثلاثة أیّام؛ نظراً‏‎ ‎‏إلیٰ بعض الحِکَم والأسرار.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 435
‏فالبیع لیس سبباً للنقل والانتقال، ولا موضوعاً لحکم العقلاء به، ولا اعتبر‏‎ ‎‏النقل والانتقال لازم ماهیّة البیع، بل المتعاملان قرارهما علیٰ أن یکون هذا المبیع‏‎ ‎‏بحذاء ذاک، فبالقیاس إلی المتعاملین یقال: «هما أوجدا القرار» وباعتبار المقایسة‏‎ ‎‏إلی العوضین یقال: «حصل القرار» ولا تعدّد ولا تکثّر فی القضیّة إلاّ بالقیاس، کما‏‎ ‎‏أنّ المقولات عندنا اُمور مأخوذة من المقایسات حتّی الجوهر، وإلاّ فالعالَم معنیً‏‎ ‎‏حرفیّ بالقیاس إلیه ـ تعالیٰ ، والماهیّات تابعة الوجودات، فخذ واغتنم.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 436

  • )) جامع المقاصد 4 : 54 ـ 55، جواهر الکلام 22: 206 ـ 210، المکاسب، الشیخ الأنصاری: 60 .
  • )) البیع، الإمام الخمینی قدس سره: 6 ـ 7.
  • )) نهایة الاُصول : 256 ـ 257 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 429 ـ 430.
  • )) تقدّم فی الصفحة 59 ـ 60.