التنبیه الخامس حول التفصیل بین استصحاب الأحکام والموضوعات
کنّا فی سالف الزمان نفصّل بین الأحکام والموضوعات؛ بجریانه فی الاُولیٰ دونها، فیجری فی الأحکام الکلّیة مثلاً والجزئیّة، وجودیّة کانت، أو عدمیّة، بخلاف الموضوعات علی الإطلاق؛ وذلک إمّا لأجل أنّ الاستصحاب تعبّد شرعاً، فلا یکون مصبّه إلاّ ما بید الشرع، وهو الحکم دون الموضوع، فلا معنیٰ لشمول إطلاق أدلّته لمثل استصحاب العدالة، والفقر، والفسق، وغیر ذلک.
أو لأجل أنّ شموله للأصل الموضوعیّ الموافق للأصل الحکمیّ لغو، ولا داعی للالتزام بشموله أوّلاً للموضوع، وثانیاً للحکم، أو فی عَرْض واحد لهما ولو کان الأوّل سببیّاً والثانی مسبّبیاً؛ لأنّ المفروض وجود دلیل واحد، وهو قوله علیه السلام: «لا ینقض الیقین بالشکّ» وحاکمیّة الأصل السببیّ علی المسبّبی فرع مشمولیّته
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 436
للإطلاق المذکور، مع أنّه لغو؛ لما لا أثر له إلاّ بالنسبة إلیٰ وجوب إکرام زید إذا شکّ فی أنّه عالم، فاستصحاب الوجوب جارٍ وکافٍ.
نعم، لو ورد نصّ علیٰ جریانه فی خصوص موضوع، فلابدّ وأن یحمل بالنسبة إلی الحکم المقصود؛ فراراً من اللغویّة.
وربّما یلحق بالموضوع، الوضعیّات، فمجرّد استصحاب العدالة لجواز الطلاق عنده، لا یکفی بعد عدم وجود دلیل فی البین إلاّ الإطلاق المقتضی هو بالذات لبقاء حرمة النکاح، أو حلّیة النظر بالنسبة إلی الزوج، فلا ینبغی الخلط بین المسائل الشرعیّة، والمسائل العلمیّة الذوقیّة، وما ذهب إلیه معاشر الاُصولیّین من الخلط بین تلک المسائل.
مثلاً: لو شکّ فی عدالة زید فطلّق زوجته عنده، أو صلّیٰ خلفه، فمقتضی الاستصحاب الموضوعیّ حلّ المشکلة من ناحیة الشکّ فی بقاء حلّیة النظر، أو وجوب القَسْم، أو حرمة الخامسة، ومقتضی الاستصحابات الحکمیّة التکلیفیّة خلافه، فإن ورد النصّ فی خصوص استصحاب العدالة فلابدّ للفرار من اللغویّة فی المثال المذکور من الالتزام بحلّ المشکلة المشار إلیها.
وأمّا مجرّد الإطلاق المنحلّ إلی السببیّ والمسبّبی فی عَرْض واحد فلا یکفی؛ لما لا حاجة إلیه کی تلزم اللغویّة، بل یستصحب الأحکام التی هی بید الشرع وضعاً وإبقاءً ورفعاً وتنزیلاً، وغیر ذلک.
فتوهّم: أنّ اختلاف المبانی فی الاستصحاب یوجب اختلافاً هنا، غیر سدید؛ لأنّ أساس المناقشة ناشئ عن ثبوت الإطلاق، بل وجوازه لأدلّة الاستصحاب. وهذا من غیر فرق بین حدیث قانونیّة الخطابات الشرعیّة، أو انحلالها إلی الخطابات الشخصیّة. ولعلّ ما هو المحکیّ عن المحقّق الخونساریّ یرجع إلیٰ ذلک.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 437
وغیر خفیّ: إنّا بصدد توضیح الإشکال المتوجّه إلیٰ معاشرنا الاُصولیّین من هذه الجهة، وإلاّ فربّما لا نقول بجریان الاستصحاب الحکمیّ الکلّی من الشرائع السالفة، أو فی هذه الشریعة، إلاّ أنّ منشأ ذاک الإشکال أمر آخر یأتی ـ إن شاء الله تعالیٰ فی محلّه.
وما ألزمهم بالقول بجریان الاستصحاب الموضوعیّ، لیس إلاّ إمکان التعبّد بحسب الأثر، الذی لیس إلاّ جعل الآثار الاُخر، التی یکون کلّ واحد منها مخصوصاً باستصحاب بلا أثر، أو ترتیب الآثار الناقضة؛ حسبما تحرّر فی الأصل السببیّ والمسبّبی، والموضوعیّ والحکمیّ، والکلام حول کفایة الإمکان المذکور بعد کونه مبتلیاً بتلک المشکلة.
نعم، فی مثل استصحاب العدالة أو استصحاب جواز الصلاة خلفه وضعاً وحلّیتها الوضعیّة، لا تختلف الثمرة العملیّة، إلاّ أنّ استصحاب بقاء وجوب الصلاة الذی هو الأثر واقعاً، یمنع عن انعقاد الإطلاق لأدلّة الاستصحاب حتّیٰ یشمل الأصل الحاکم الموضوعیّ السببیّ حسب المصطلحات التی ربّما هی توجب الغفلة.
و«لَعَلَّ الله َ یُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِکَ أمْرَاً» وهو ملاحظة موارد الاستصحاب الخاصّة فی الأدلّة الماضیة وفی موارد کثیرة، فإنّه ربّما منها یشرف الفقیه علی الوثوق بما علیه بناء معاشر الاُصولیّین، فلیتدبّر.
وأمّا ما أفاده الوالد المحقّق ـ مدّظلّه من: «أنّ تقدم الأصل السببیّ علی المسبّبی لا أساس له، والاُصول الموضوعیّة تنقّح الموضوعات للأدلّة الاجتهادیّة، فلا یکون فی المقام إلاّ شمول الإطلاق للأصل الموضوعیّ».
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 438
فهو فی محلّه، إلاّ أنّه لا یفیدنا، ولا یحلّ المعضلة؛ لأنّ الاستصحابات الحکمیّة جاریة بذاتها ومحکومة بالأدلّة، والاستصحابات الموضوعیّة تجری باعتبار الأثر المنفیّ بالأصل المسبّبی حسب الطبع، وعندئذٍ لا معنیٰ لشمول الإطلاق للموضوعیّ لأجل ذلک؛ لأنّ المسألة لا تزداد علیٰ شمول الإطلاق، وهو محلّ منع ومناقشة، فلا تغفل وتدبّر جدّاً.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 439