المقصد الحادی عشر فی الاستصحاب

التنبیه الخامس حول التفصیل بین استصحاب الأحکام والموضوعات

التنبیه الخامس حول التفصیل بین استصحاب الأحکام والموضوعات

‏ ‏

‏کنّا فی سالف الزمان نفصّل بین الأحکام والموضوعات؛ بجریانه فی الاُولیٰ‏‎ ‎‏دونها، فیجری فی الأحکام الکلّیة مثلاً والجزئیّة، وجودیّة کانت، أو عدمیّة، بخلاف‏‎ ‎‏الموضوعات علی الإطلاق؛ وذلک إمّا لأجل أنّ الاستصحاب تعبّد شرعاً، فلا یکون‏‎ ‎‏مصبّه إلاّ ما بید الشرع، وهو الحکم دون الموضوع، فلا معنیٰ لشمول إطلاق أدلّته‏‎ ‎‏لمثل استصحاب العدالة، والفقر، والفسق، وغیر ذلک.‏

‏أو لأجل أنّ شموله للأصل الموضوعیّ الموافق للأصل الحکمیّ لغو، ولا‏‎ ‎‏داعی للالتزام بشموله أوّلاً للموضوع، وثانیاً للحکم، أو فی عَرْض واحد لهما ولو‏‎ ‎‏کان الأوّل سببیّاً والثانی مسبّبیاً؛ لأنّ المفروض وجود دلیل واحد، وهو قوله ‏‏علیه السلام‏‏:‏‎ ‎«لا ینقض الیقین بالشکّ»‎[1]‎‏ وحاکمیّة الأصل السببیّ علی المسبّبی فرع مشمولیّته‏‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 436
‏للإطلاق المذکور، مع أنّه لغو؛ لما لا أثر له إلاّ بالنسبة إلیٰ وجوب إکرام زید إذا شکّ‏‎ ‎‏فی أنّه عالم، فاستصحاب الوجوب جارٍ وکافٍ.‏

‏نعم، لو ورد نصّ علیٰ جریانه فی خصوص موضوع، فلابدّ وأن یحمل‏‎ ‎‏بالنسبة إلی الحکم المقصود؛ فراراً من اللغویّة.‏

‏وربّما یلحق بالموضوع، الوضعیّات، فمجرّد استصحاب العدالة لجواز الطلاق‏‎ ‎‏عنده، لا یکفی بعد عدم وجود دلیل فی البین إلاّ الإطلاق المقتضی هو بالذات لبقاء‏‎ ‎‏حرمة النکاح، أو حلّیة النظر بالنسبة إلی الزوج، فلا ینبغی الخلط بین المسائل‏‎ ‎‏الشرعیّة، والمسائل العلمیّة الذوقیّة، وما ذهب إلیه معاشر الاُصولیّین من الخلط بین‏‎ ‎‏تلک المسائل.‏

مثلاً:‏ لو شکّ فی عدالة زید فطلّق زوجته عنده، أو صلّیٰ خلفه، فمقتضی‏‎ ‎‏الاستصحاب الموضوعیّ حلّ المشکلة من ناحیة الشکّ فی بقاء حلّیة النظر، أو‏‎ ‎‏وجوب القَسْم، أو حرمة الخامسة، ومقتضی الاستصحابات الحکمیّة التکلیفیّة‏‎ ‎‏خلافه، فإن ورد النصّ فی خصوص استصحاب العدالة فلابدّ للفرار من اللغویّة فی‏‎ ‎‏المثال المذکور من الالتزام بحلّ المشکلة المشار إلیها.‏

‏وأمّا مجرّد الإطلاق المنحلّ إلی السببیّ والمسبّبی فی عَرْض واحد فلا‏‎ ‎‏یکفی؛ لما لا حاجة إلیه کی تلزم اللغویّة، بل یستصحب الأحکام التی هی بید‏‎ ‎‏الشرع وضعاً وإبقاءً ورفعاً وتنزیلاً، وغیر ذلک.‏

فتوهّم:‏ أنّ اختلاف المبانی فی الاستصحاب یوجب اختلافاً هنا، غیر سدید؛‏‎ ‎‏لأنّ أساس المناقشة ناشئ عن ثبوت الإطلاق، بل وجوازه لأدلّة الاستصحاب.‏‎ ‎‏وهذا من غیر فرق بین حدیث قانونیّة الخطابات الشرعیّة، أو انحلالها إلی الخطابات‏‎ ‎‏الشخصیّة. ولعلّ ما هو المحکیّ عن المحقّق الخونساریّ‏‎[2]‎‏ یرجع إلیٰ ذلک.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 437
وغیر خفیّ:‏ إنّا بصدد توضیح الإشکال المتوجّه إلیٰ معاشرنا الاُصولیّین من‏‎ ‎‏هذه الجهة، وإلاّ فربّما لا نقول بجریان الاستصحاب الحکمیّ الکلّی من الشرائع‏‎ ‎‏السالفة، أو فی هذه الشریعة، إلاّ أنّ منشأ ذاک الإشکال أمر آخر یأتی ـ إن شاء الله ‏‎ ‎‏تعالیٰ فی محلّه‏‎[3]‎‏.‏

‏وما ألزمهم بالقول بجریان الاستصحاب الموضوعیّ، لیس إلاّ إمکان التعبّد‏‎ ‎‏بحسب الأثر، الذی لیس إلاّ جعل الآثار الاُخر، التی یکون کلّ واحد منها‏‎ ‎‏مخصوصاً باستصحاب بلا أثر، أو ترتیب الآثار الناقضة؛ حسبما تحرّر فی الأصل‏‎ ‎‏السببیّ والمسبّبی، والموضوعیّ والحکمیّ، والکلام حول کفایة الإمکان المذکور‏‎ ‎‏بعد کونه مبتلیاً بتلک المشکلة.‏

‏نعم، فی مثل استصحاب العدالة أو استصحاب جواز الصلاة خلفه وضعاً‏‎ ‎‏وحلّیتها الوضعیّة، لا تختلف الثمرة العملیّة، إلاّ أنّ استصحاب بقاء وجوب الصلاة‏‎ ‎‏الذی هو الأثر واقعاً، یمنع عن انعقاد الإطلاق لأدلّة الاستصحاب حتّیٰ یشمل‏‎ ‎‏الأصل الحاکم الموضوعیّ السببیّ حسب المصطلحات التی ربّما هی توجب الغفلة.‏

‏و‏‏«‏لَعَلَّ الله َ یُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِکَ أمْرَاً‏»‏‎[4]‎‏ وهو ملاحظة موارد الاستصحاب‏‎ ‎‏الخاصّة فی الأدلّة الماضیة وفی موارد کثیرة، فإنّه ربّما منها یشرف الفقیه علی‏‎ ‎‏الوثوق بما علیه بناء معاشر الاُصولیّین، فلیتدبّر.‏

‏وأمّا ما أفاده الوالد المحقّق ـ مدّظلّه من: «أنّ تقدم الأصل السببیّ علی‏‎ ‎‏المسبّبی لا أساس له، والاُصول الموضوعیّة تنقّح الموضوعات للأدلّة الاجتهادیّة،‏‎ ‎‏فلا یکون فی المقام إلاّ شمول الإطلاق للأصل الموضوعیّ»‏‎[5]‎‏.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 438
‏فهو فی محلّه، إلاّ أنّه لا یفیدنا، ولا یحلّ المعضلة؛ لأنّ الاستصحابات‏‎ ‎‏الحکمیّة جاریة بذاتها ومحکومة بالأدلّة، والاستصحابات الموضوعیّة تجری‏‎ ‎‏باعتبار الأثر المنفیّ بالأصل المسبّبی حسب الطبع، وعندئذٍ لا معنیٰ لشمول‏‎ ‎‏الإطلاق للموضوعیّ لأجل ذلک؛ لأنّ المسألة لا تزداد علیٰ شمول الإطلاق، وهو‏‎ ‎‏محلّ منع ومناقشة، فلا تغفل وتدبّر جدّاً.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 439

  • )) وسائل الشیعة 8 : 217 ، کتاب الصلاة ، أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ، الباب 10 ، الحدیث 3 .
  • )) فرائد الاُصول 2 : 625، مشارق الشموس: 75 ـ 77.
  • )) یأتی فی الصفحة 537 ـ 539.
  • )) الطلاق (65) : 1 .
  • )) الاستصحاب، الإمام الخمینی قدس سره: 246 .